تتجه حقائق المشهد المصري نحو شتاء دافئ لن يكون أقل سخونة من الشتاء السياسي العراقي..إذ يرتبط حلول الذكرى الثالثة للثورة بقضايا مصيرية معلّقة وإخفاقات انتقلت أوزارها إلى العام الجديد.. سياسيا , ما زال د.محمد مرسي يُمارس لعبة "الأُُذن الصمّاء" بعد استم
تتجه حقائق المشهد المصري نحو شتاء دافئ لن يكون أقل سخونة من الشتاء السياسي العراقي..إذ يرتبط حلول الذكرى الثالثة للثورة بقضايا مصيرية معلّقة وإخفاقات انتقلت أوزارها إلى العام الجديد.. سياسيا , ما زال د.محمد مرسي يُمارس لعبة "الأُُذن الصمّاء" بعد استماعه العام الماضي إلى كل الآراء من مختلف التوجهات السياسية.. و أمام عجز أول حكومة يُشكلها مرسي برئاسة هشام قنديل نتيجة فشلها في الاستجابة للأولويات التي فرضتها حقيقة قيام ثورة أخرجت ما في جعبة مصر من تراكمات وقوى.. هذا العجز في معالجة الملفات الاقتصادية و الأمنية و الاجتماعية ضاعف حالة السخط العام و زاد فجوة الانقسام في الشارع.
اختيارات مرسي أمام التحديات التي يواجهها مشروع جماعته القائم على "التمكين" الإخواني و أهمها خشية تحمّل مسؤولية مطالب الشارع في تحقيق وعودهم عن الرخاء المُنتظر على أيديهم, جاءت في العام الجديد مؤكدة على انفصاله التام عن الواقع المصري و اعتماد جماعته على عودة حالة الخنوع والاستسلام إلى الشارع.. فقد أعاد اختيار هشام قنديل ليرأس الحكومة مع تعديلات تؤكد قراءة ما بين سطورها أن "الإخوان لم يعودوا يثقو ن إلاّ في الإخوان".. أبرز الملاحظات على هذه التعديلات قرار الجماعة تولي الملف الاقتصادي باختيار وزير من الجماعة كي تتعامل مع أخطر الأزمات التي تواجهها مصر, خصوصا أن خطابات مرسي في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي و الخدمي أصبحت مثاراً للسخرية التي يشتهر بها الشارع المصري.. فهي كأنما تتحدث عن "بلد آخر" في مثالية أوضاعه العامة..في صياغة زائفة موجهة للغرب.
القطاعات الخدمية التي تعاني من تدهور أيضا تولاها وزراء من الجماعة اُختيروا لوزارات: الكهرباء و الطاقة,النقل, التموين.
لم تكن الإطاحة بوزير الداخلية مفاجأة , بعد أن شنّت عليه الجماعة و ذراعها السياسي "حزب الحرية و العدالة" هجوما عنيفا نتيجة ما زعمته من تقاعس أمني في مواجهة حرق معظم مقرات الجماعة و الحزب سواء المقر الرئيسي في جبل المقطم أو كل المحافظات.. بالإضافة إلى رفض قوات الداخلية التصدي أمنيا للتظاهرات الشعبية التي اندلعت عقب قرار مرسي الاستئثار بالسلطات و مهزلة تمرير الدستور الهش.. لعل الغريب في اختيار الوزير الحالي أنه كان مدير السجن الذي هرب منه مرسي بعد أيام من قيام الثورة.
أمام احتمال عن كون الوزارة الثانية مجرد "ترانزيت" أو تمهيد لما يتردد بقوة حول اسم المهندس خيرت الشاطر- نائب المرشد العام للجماعة- الذي يفوق نفوذه مرشدها و يعتبر المُحرّك الحقيقي لأمورها و عقلها المدبر.. ترشيح الشاطر لرئاسة الوزارة يفرض على الجماعة تحديا خطيرا قد لا تقبل بمواجهته أو دفع ثمن الإخفاق فيه.. لو افترض منطق حُسن النوايا في أي تجربة ديمقراطية أن من حق الحزب الحاكم الحصول على فرصته في إدارة البلاد من خلال رموزه.. لكن الشاطر فيما يبدو حتى الآن لا يريد القيام بدور "واجهة الإخوان" في تحمل مسؤولية الأعباء الثقيلة.. حتى لو تخلى الشاطر عن طباع شخصيته الرافضة للظهور أمام الرأي العام , مفضلا دور الإدارة و السيطرة من وراء الستار.. فهو و جماعته يعلمون جيدا - خلافا لتصريحاتهم المتكررة- أن العبء المصري الذي من أجله قامت الثورة أكبر من أن يتحمله فصيل واحد مهما بلغت قدرة تنظيمه , خصوصا و أن الجماعة لا تضم كوادر علمية و سياسية و اقتصادية مؤهلة.. لديها رجال أعمال..لكنها لا تملك مشروعا اقتصاديا حقيقيا.. لديها خبرة في فكرة التمهيد لإقامة دولة الخلافة الإسلامية و تهميش قيمة المواطنة.. و لا تملك مشروعا سياسيا ديمقراطيا.. يبقى المبرر الأقرب للمنطق قرار الشاطر حالياً التفرغ لـ"معركة" الانتخابات البرلمانية.. معركة لن يقبل الإخوان نتيجة لها إلاّ الفوز بالأغلبية البرلمانية.
*كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة