البصرة تعاني الآن من احتضار وربما قريباً موت الزراعة فيها بالكامل بسبب تداعيات خطيرة ،منها ملوحة المياه وتجريف الأراضي من قبل الشركات النفطية وبعض ضعاف النفوس ، وباعتقادي أن كل المحاولات لإنعاش الزراعة من جديد غير مجدية لعدم وجود إدارة خاصة مستقلة للزراعة وإلا كيف تغرق السوق العراقية والبصرية بالمنتجات الزراعية المستوردة ونحن قادرون على إنتاجها كلها تقريباً . هذا ما جاء في تحقيق أجراه الزميل ريسان الفهد مع السيد نقيب المهندسين الزراعيين في البصرة ( جريدة المدى يوم 29/12/2012 ) .
يظهر جلياً أن البصرة رغم كثرة مواردها غير الزراعية النفط والميناء والمنافذ البرية لم تساهم في تكامل اقتصادها الداخلي وتنميته بشكل ملموس كما نلحظ مما جاء به السيد نقيب المهندسين الزراعيين في الإنتاج الزراعي فقط وليس الإنتاج الحيواني الذي لم يسلط الضوء عليه .
كما أن البصرة بما أنها تحصل على البترودولارات وعوائد الميناء والمنافذ البرية مثلاً تقول إنها لديها عجز 10% في السكن . فمتى يرتفع إنتاجها الداخلي زراعة بجناحيها النباتي والحيواني وصناعة الثقيلة ( البتروكيماويات والصلب ) الذي يظهر فقط لحد الآن عدم وجود أي ربط بين الحالتين ( النفط والميناء يسيران عكس اتجاه الصناعة والزراعة ) من خلال القاسم المشترك وهو الاستيراد العشوائي والتهريب التصديري .
ويؤكد ذلك الخطة التي ساهمت بإعدادها الأمم المتحدة والوكالة البريطانية للتنمية الدولية أن من أبرز التهديدات التي يواجها القطاع الزراعي هي زيادة ملوحة مياه شط العرب ومنافسة المنتجات الزراعية المستوردة من ( دول الجوار ) والتصحر وزحف الكثبان الرملية مع شمولية قانون الحفاظ على الثروة الهيدروكاربونية في ظل كثرة المكامن النفطية . هذا ما جاء بتصريحات منصور التميمي للمدى بتاريخ 30/12/2012 فعلى الأقل الزراعة لا نتعامل معها كإنتاج يسد الحاجة لأننا بلد مستورد ،وأصبحت هويتنا كذلك بل نعمل على إيقاف التصحر والكثبان لاعتبارات البيئة وتحلية المياه التي تساعد في عمليات استخراج النفط . كما أن البصرة باتت مشهورة بالطماطة بعد أن فقدت شهرة التمر ،إذ لديها الآن ثلاثة ملايين نخلة أي عشر العدد في السبعينات من القرن الماضي . فزراعة الطماطة التي تبلغ أربعة آلاف مزرعة في الزبير وصفوان تستحق الرعاية على الأقل لحماية مناخ أرض البصرة من التصحر وزيادة عددها يؤهل البصرة لإنتاج معجون الطماطة بمعمل صغير لمواجهة إغراق الطماطة المستوردة ويعزو نائب البصرة تدني الواقع الزراعي إلى الحكومة المحلية رغم تخصيص ( 30 مليار دينار ) للمشاريع الزراعية فقط . وهذا ليس ذنب المركز بل ذنب الحكومة المحلية .
ماذا يعني هذا ؟ ألا يعني أن البصرة ( ضيعت المشيتين ) لا هي نفطية خليجية ولاهي زراعية عراقية .
وهذه إشكالية لا نستطيع أن نعزوها للقدر بل إن الأسباب واضحة ليس للبصرة وحسب بل جميع المحافظات العراقية ما عدا الإقليم .
فقد تضافرت جهود الفشل جميعاً ( الاعتماد على الاستيراد + الاعتماد على الريع النفطي + الاعتماد على الكادر المتخلف المتحاصص الفاسد + عدم تطبيق الخطط المركزية كما ترويها لنا وزارة التخطيط ) لدينا ميزانية خرافية قياساً بميزانيات سابقة ويتفاقم ويتعقد المشروع التنموي عموماً مع تصاعد إنتاج النفط .
فكل محافظة ،إما لديها نفطها أو سياحتها الدينية فلماذا لا تتكامل مثلاً وإرادات أوقاف النجف وكربلاء مع أزمة السكن ومكافحة الفقر ولماذا لا تتكامل زراعة الديوانية الشلب والحبوب مع فقرائها بزيادة دعمها . وهكذا الحلة والسماوة والأنبار وصلاح الدين لم تكن هناك تنمية مكانية بعلاج مركزي محدد وأضح .
فمتى يتم تجسير الهوة بين الريع النفطي وباقي الأنشطة: زراعة ،صناعة ،سياحة، تعليم ،سكن صحة ؟ فعلى الحكومات المحلية أولاً ذلك وبعده تسهل المطالبة بالفيدرالية . ولكي لا يكون لدينا معلف بدون حصان .
بصرتنا في مفترق الطريقين ... نموذجاً
[post-views]
نشر في: 9 يناير, 2013: 08:00 م