في عاصمة الضباب وعلى قاعة المركز الثقافي العراقي في لندن، ومن خلال نشاطه الجديد لعرض عمق وبلاغة الإبداع العراقي بكل ما يحوي من مساحات إبداعية، كان لعزف (قيثارة سيد القصب) حضور متميز أدهش الجميع، عبر ستة عشر عملا مخ
في عاصمة الضباب وعلى قاعة المركز الثقافي العراقي في لندن، ومن خلال نشاطه الجديد لعرض عمق وبلاغة الإبداع العراقي بكل ما يحوي من مساحات إبداعية، كان لعزف (قيثارة سيد القصب) حضور متميز أدهش الجميع، عبر ستة عشر عملا مختلفا عرضها الفنان العراقي المغترب ( أمين شاتي ) في معرضه الأخير المستوحى من سرديات وتراث الإبداع الرافديني القديم، استمرارا لمنجزه الإبداعي الدؤوب في بحثه عن روح وجذور الفن العراقي و السومري بالخصوص، فبعد تجربته السابقة بمعرضه السابق (ترانيم سومرية) والذي أقيم بلندن أيضا في العام الماضي ومساهماته ومشاركاته في المعارض الجماعية قدم لنا أعمالا إبداعية مستوحاة من تلك الأجواء تحمل روح المعاصرة والمغامرة الفنية الباحثة عن امتداد تأصيلي يغور في استحضار الماضي المبتكر برؤية تجسد افق الإبداع وإعادة رسم ملامح الأشياء، فيشعرنا بأنه أعاد لنا منجز الانسان السومري الأول الذي ابتكر الحضارة وعرف بتمعن معنى الجمال بروح الابتكار، وهذا هو دور الفنان الباحث عن عمق القيم.
الفنان أمين شاتي في معرضه الأخير، حاول الخروج من إطار اللوحة التقليدية إلى أطر النحت والمعمار التشكيلي كي يجسم مفهوم العمل الفني ويضيف إليه بعدا أعمق للاستيعاب فاستعار من التاريخ السومري بعده الإيحائي، ومن المعاصرة والتجديد إطارا لفعله الإبداعي. مستخدما كل الممكنات الإبداعية من تجسيم البناء التشكيلي مرورا بدور اللون وتأثيره في خلق الرؤية، فنراه يستعين بالموروث اللوني لاشتقاقات وتدرجات الأزرق واللازوردي بشكل طقسي، فهو يأتي بكل ما يتخيله من موارد الواقع من مواد وأصباغ ومعاجين بل ويهرع لاستخدام الرصاص المذاب وحتى الأحجار الملونة لبناء عمل يستفز الذاكرة ويعود بها إلى أفق ذلك الماضي الغني بمدلولاته والذي يريد بالرجوع إليه إنارة إبداعه. ﻓﺎلتفرد الأصيل المبدع في أسلوب الفنان المتوافق مع إمكانيات وطاقة خامات التنفيذ تأتي بأعمالها التي لها صفة الجدية والإحساس بالدهشة لدى المتلقي.
فهو يبني قيثارته السومرية بطريقة أخرى تبتعد عن المألوف في رؤية التاريخ الذي نعرفه. ويحملها بعدا آخر هو بعد المعاصرة كي تعبر عن ما يرمز إليه ويمتع العين بأنغامها، فهو لا يريد أن يعيد رسم الواقع الغابر كما هو بل يوقظ حلم الماضي الموروث لإنارة أفق المستقبل في عيون المتلقي وليخلق في روحه مجموعة من الأسئلة وتلك مما يحسب له إبداعيا، وعبر خاصية الانتقال من الإشارات المحددة الدلالات الى الرموز المنفتحة المتعددة المدلولات . وبذلك انتقل فكريا وبصريا من التعامل مع المادي الملموس إلى صورتهِ الذهنية، ومن الاستخدام المجرد للأشياء إلى الاستخدام الرمزي وتوسيع مدلول تلك الرموز.
فعملية تكوين المفاهيم الجمالية لدى الفنان، قد وسعت قدرة وسعة المفهوم الشيئي للمدرك، فأتاحت للمتلقي الفرصة لان يتعامل بصريا وروحيا مع مفاهيم الدلالة وعلى وفرة من المدلولات المتعاقبة التي يضخها في عمله الإبداعي من واقع مرئي جديد ومعاصر ومن خلال الغور في استنباط البعد الجمالي لهذه الحضارة العظيمة.
فالفنان يتمتع بصفات الإبداع كما حددها (جليفورد) وهي: الأصالة والطلاقة والمرونة، مع عامل المحافظة على الاتجاه أثناء إبداعه لعمله الفني وتفاعله مع روح الابتكار في منجزه التشكيلي.
وتبقى أعمال الفنان (أمين شاتي) في معرضه (سيد القصب) ما هي إلا مرآة تعكس همومه وانشغالاته الفكرية برؤيته الخاصة الممتدة لجذوره السومرية المتوارثة بروحه.