TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > معذور

معذور

نشر في: 12 يناير, 2013: 08:00 م

لم يتقبلها منا السيد نوري المالكي ولا حزبه أو أتباعه او مقربوه ولا حتى من انتخبوه، يوم قلنا ان بقاءه في ولاية ثانية لن يكون بصالحه او بصالح العراق. وها هي الأحداث الأخيرة تثبت انه ورّط نفسه وأوقع معه البلد في ورطة حقيقية لا أحد قادر على ان يتنبأ بما ستجلبه من ويلات.

ما نراه اليوم من انقسام شعبي مخيف هو نتيجة لأسباب كثيرة. اولها واهمها ان العراق له خصوصيات اجتماعية وتاريخية وجغرافية، تفرض مواصفات معينة على من يريد ان يحكمه ديمقراطيا. واي قصور في تلك المواصفات سيضع الحاكم امام خيارين: اما ان يحكم البلد بالاستبداد والقهر، كما فعل صدام حسين، او ان يجمع اوراقه ويعتذر. ولان الاعتذار آخر ما يفكر به حكام اليوم، فلم يبق امام المالكي، او اي شخص آخر بنفس "مؤهلاته" او "مواصفاته"، غير ان يلجأ للاستبداد وسيلة للتمسك بكرسي السلطة.

لا اظنني بحاجة لتفصيل خصوصيات العراقيين لانها صارت من البديهيات التي يعرفها الطفل العراقي قبل المفكر. اي شعب بهكذا ثقافات ولغات واعراق واديان ومذاهب متعددة، لا يمكن ان ينجح في حكمه بالعدل حاكم بعقلية أحادية التفكير، اسلامية كانت او غير إسلامية.

من لا يعرف خصوصيات العراقيين تلك ويعيشها ويحبها، بدءا من طريقة غنائهم للأبوذية والعتابة وقواعد رقصة "الهجع" و "الجوبي" الى نكهة كبة الموصل وطريقة أكل "الدليمية" واصول طبخ "الباجة" البغدادية ولذة تشريب "الباجلة" عند اهل الحلة و"المسموطة" الجنوبية، لا يمكن ان يرحم العراقيين ويقدر همومهم.

كذلك يظل غريبا عن العراقيين من لا يحفظ بعضا من اغاني مسعود العمارتلي وسليمة مراد وزهور حسين ومائدة نزهت وأمل خضير وسيتا هاكوبيان. كما لا يكسب قلوب العراقيين من لا يجر حسرة عراقية خاصة حين يسمع داخل حسن وحضيري وناصر حكيم. ولن تطمئن قلوبهم  لمن لا يطرب لصوت سعدي الحديثي وجبار عكار، ولمن لا يشعر بالدفء عندما يسمع حسين نعمة وفاضل عواد وتقاسيم منير بشير على العود. وليس من العراقيين من لا يتعوّذ معهم من شر عيون لا تدمع حين يمر بها صوت حمزة الزغيّر وهو يصدح "جابر يجابر ما دريت بكربله اشصار"، أو الشيخ حمزة الكعبي في "المقتل"وهو ينحب "هضمنه ما جره اعله أحد وشافه".

وهنا أسأل: ماذا سيفعل المالكي لو مسك أحد أبنائه او أحفاده "متلبسا" بسماع اغنية لحسام الرسام مثلا؟ وماذا سيقول لو انه، في احدى زياراته لطويريج، مر بصاحب دكان ينصت بشغف لصوت عبد الأمير طويرجاوي؟ وما الذي سيكون عليه شكل عينيه وحاجبيه لو صادف ان مر بالعمارة ولمح نساء فيها يرقصن "الهجع" في عرس أخيهن أو جمعا من صباياها يردحن: "تجنه لو نجيجن يا بنيات .. علوه ونصصنها الساعديات"؟ هل سيشاركهن الفرح ام انه سيعتبر ذلك من التفاهات والمحرمات؟

وأسأل أيضا: كيف سيتصرف المالكي لو فرضنا افتراضا انه تفقد صحراء الأنبار ومر بخيمة من خيام بدو تجمعوا حول صاحب ربابة يعتّب:

هلي ما لبسوا خادمهم خلكهم

بوجه الضيف ما ضيجوا خلكهم

هلي كبل العرش ربك خلكهم

كبل ما يبتدي بأرضو وسماه

وان نهض البدو بعد ان جاشت مشاعرهم ليرقصوا "الجوبي"، فهل سينهض ليشاركهم ام انه سيعتذر؟ قطعا سيعتذر لسبب كلنا نعرفه ونتفهمه أيضا.

الرجل معذور وليته اعتذر من قبل هذا، لارتاح وأراحنا معه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram