مظاهرات المنطقة الغربية تثير الحماس في نفوس كل المعترضين على نهج السيد نوري المالكي في إدارة الدولة. ولذلك فإنني ارفض الإجابة منذ أيام على سؤال: هل تتوقع ان تستمر المظاهرات ام ان الناس سيتعبون ويعودون إلى منازلهم؟ إذ أن قيمة الاحتجاجات لا تأتي من استمرارها، لأنها جاءت داخل سياق احتجاج يكمل بعضه بعضا ويتواصل بصيغ مختلفة ومتنوعة، اي اننا امام احتجاج متواصل بالمظاهرات او بدونها. وهذا ما توحي به دفوف الصوفية التي راح المتظاهرون في سامراء ينشدون على إيقاعها شعارات رفضهم لتسلط المالكي.
أوّل احتجاج ناضج على سياسة المالكي كان عبر جبهة تتكون من الحكيم والعراقية والصدر وبارزاني عام ٢٠١٠ رافضين منحه ولاية ثانية. بعدها وفي الصيف خرجت البصرة في "انتفاضة الكهرباء" تلتها ذي قار و١٠ مدن أخرى. انتقلنا في ٢٠١١ إلى ٢٥ شباط في كل المدن، وسقط من شبابنا أكثر من ٣٠ صريعا يتقدمهم هادي المهدي. أسلوب الحكم كان موضع اعتراض، والاعتراض تصاعد صيف ٢٠١٢ في لقاءات أربيل والنجف، أو ما يروق لي تسميته "تحالف ١٩ ايار" الذي كانت العراقية جزءا منه، وحاول سحب الثقة من رئيس الحكومة، قائلا ان البلاد بحاجة الى تسويات، والمالكي ليس صالحا ليكون طرفا في تسوية، اذ لم يعد طرفا موثوقا ولم تعد لعهوده والتزاماته اي قيمة كما اتضح خلال ٧ اعوام من حكمه. والمالكي يدرك ان وعوده صارت بلا قيمة ولذلك فهو عاجز عن كسب اي طرف ويعيش اشد لحظاته عزلة وينشد "اكثر القصائد حزنا" كما قال نيرودا في وصف ليلة شؤم.
احتجاجات الرمادي والموصل هي تظاهرات لجزء من جمهور ١٩ ايار الذي اجتمع في اربيل والنجف، ولذلك كان من الطبيعي ان يصدر بارزاني بيانا قبل ايام، يصف فيه ما يجري بأنه "انتفاضة"، وأن يبذل الصدر جهدا مشكورا وذكيا لتنضيج وتطوير خطاب الاحتجاجات. المتظاهرون هم جمهور العراقية وجزء من تحالف ١٩ ايار، اي انهم بمعنى ما، جمهور لبارزاني (رفعوا علم كردستان) وجمهور للصدر (قرأوا مقتل الحسين ورفعوا راياته).
معارضو المالكي لم ينجحوا في اسقاطه بعد، لكنهم ايضا لم يفشلوا بعد. محطات الاحتجاج من مظاهرات الكهرباء في البصرة، حتى "جمعة الرباط" في غرب البلاد، هي واحدة في سياق اعلان عدم الاستسلام لشخص يتخيل ان في وسع فريقه السياسي والعسكري اخضاع كل مراكز القوى في البلاد.
ولذلك فإن السؤال عن استمرار التظاهرات او توقفها، غير ضروري، لان المظاهرات هذه مجرد محطة مهمة ومثيرة من محطات الاعتراض التي يصوغها تحالف ١٩ ايار، وهي محطات متواصلة لم تتوقف منذ ٢٠١٠.
ان هذه صيغ متعددة تتواصل منذ ٣ اعوام لانقاذ البلاد من التفرد والرعونة، وايضا لاقناع امريكا وايران بأن المالكي ليس الرجل المناسب. ويبدو ان امريكا وايران في طريقهما للاقتناع، فالمعلومات تشير الى ان الطرفين أبلغا المالكي بأن عليه ان ينسى "الولاية الثالثة"، وهو تبليغ اصابه بالاحباط وجعله يتخبط ويتلعثم وهو في طريقه لارتكاب المزيد من الاخطاء.
كل ما يجري معناه ان المالكي يفشل في اعلان نفسه حاكما مطلقا، وان خصومه تدربوا عبر "بروفات" كثيرة على حماية التعدد السياسي الذي يهم الجميع ويحميهم ويمنع ظهور المستبد. وهذا هو المكسب الاساسي لعشرة اعوام من الفشل والاخطاء، وهو ليس مكسبا هينا، اذ اثبت ان العراقيين، رغم كل نقاط ضعفهم، يبتكرون صيغا عديدة وذكية لمنع ظهور صدام حسين آخر سني او شيعي.
ما يجري يثبت ايضا ان لدينا طاقم عقلاء قادرا على منع اي فتنة طائفية، لدى الطرفين، لكن الخشية تأتي من حزبي البعث والدعوة!
انها مقارنة مؤسفة، لكن تنبهوا معي فقط. فالبعث يتمنى ان "يخرب كل شيء" والدعوة يتمنى ايضا ان تفشل المظاهرات وتتسم بطابع طائفي كي يجعل ذلك الصدر والحكيم والجلبي وعبد المهدي فضلا عن مرجعية النجف، يشعرون بالحرج ويدعمون المالكي ويقبلون مساوئه بهدف "حماية المذهب".
حزب البعث مستعد لفعل اي شيء على طريقة عزة الدوري لتخريب المهمة. ومن المؤسف ان حزب الدعوة مستعد لتخريب كل شيء من اجل البقاء في المنصب. انهم يريدوننا ان نشعر بأننا امام خيارين، القبول بفشل المالكي وتسلط فريقه العسكري، او الاحتجاج الذي قد يخربونه ويؤدي الى تدمير البلاد. لكن هذه لعبة قديمة من مخلفات الحرب الباردة، لم يعد يتقنها لا عزة الدوري ولا عزة الشابندر. انها لحظة مقتدى الصدر وجمهور ١٩ ايار في اربيل والرمادي والبصرة، بلا فرق.
هل ستتوقف المظاهرات؟
[post-views]
نشر في: 13 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 6
نهاد ابراهيم
حضرة الاستاذ سرمد المحترم , لااريد ان تعتبرني متملقة وأكيل لك المديح , لكني بالفعل من متابعي تصريحاتك ولقائاتك التلفزيونية اوماتكتب عبر الانترنت , لالشيء الا لأني احمل نفس افكارك ونفس توجهاتك . استاذ سرمد ولأنك من البصرة وانا كذلك فأني اطلب مساعدتك في موض
ابو بهاء
لقد وضعت النقاط على الاحرف واصبحت كلمة مفهومة, والباقي الشعب سيقول جملته المفيدة
احمد الزبيدي
ثنائيات جميلة ظهور صدام حسين آخر ((سني او شيعي)) الخشية تأتي من حزبي ((البعث والدعوة)) لا عزة الدوري ولا عزة الشابندر لم يبقى الا اسم مقتدى الصدر كان بحاجه الى قرين يذكر معه لكن للاسف الساحة تفتقر
نهاد ابراهيم
حضرة الاستاذ سرمد المحترم , لااريد ان تعتبرني متملقة وأكيل لك المديح , لكني بالفعل من متابعي تصريحاتك ولقائاتك التلفزيونية اوماتكتب عبر الانترنت , لالشيء الا لأني احمل نفس افكارك ونفس توجهاتك . استاذ سرمد ولأنك من البصرة وانا كذلك فأني اطلب مساعدتك في موض
ابو بهاء
لقد وضعت النقاط على الاحرف واصبحت كلمة مفهومة, والباقي الشعب سيقول جملته المفيدة
احمد الزبيدي
ثنائيات جميلة ظهور صدام حسين آخر ((سني او شيعي)) الخشية تأتي من حزبي ((البعث والدعوة)) لا عزة الدوري ولا عزة الشابندر لم يبقى الا اسم مقتدى الصدر كان بحاجه الى قرين يذكر معه لكن للاسف الساحة تفتقر