TOP

جريدة المدى > اقتصاد > المرض الهولندي..ودولتنا الريعية!

المرض الهولندي..ودولتنا الريعية!

نشر في: 14 يناير, 2013: 08:00 م

يبدو أن العراق أصابته لعنات كثيرة سنتحدث اليوم عن واحدة منها وهي لعنة الموارد، أو كما تسمى المرض الهولندي، ويمكن تعريفه بأنه مجموعة الآثار السلبية التي تؤثر في بناء اقتصاد سليم، وتبدأ بالظهور عند حدوث طفرة مالية في بلد ما عند اكتشاف موارد طبيعية في أ

يبدو أن العراق أصابته لعنات كثيرة سنتحدث اليوم عن واحدة منها وهي لعنة الموارد، أو كما تسمى المرض الهولندي، ويمكن تعريفه بأنه مجموعة الآثار السلبية التي تؤثر في بناء اقتصاد سليم، وتبدأ بالظهور عند حدوث طفرة مالية في بلد ما عند اكتشاف موارد طبيعية في أراضيه، بسبب سوء إدارة تلك الموارد، وهو يرتبط بالتنمية الاقتصادية تحديدا وعلاقتها العكسية مع الاعتماد على الثروات النفطية.  وقد شخصت هذه الحالة لأول مرة في هولندا بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال في ستينات القرن الماضي، إذ شهدت ارتفاعا في معدلات البطالة، واضمحلال النشاط الصناعي وقلة فرص العمل. لتتسبب بمجموعها في حالة من الكسل والتراخي الوظيفي.

ما يهمنا من المرض الهولندي الذي استخدم كمصطلح لأول مرة عام 1977 هو أن الكثير من أعراضه تنطبق على العراق،  فالمرض الهولندي يخلق أوطاناً غنية ومواطنين فقراء ومزيدا من العوائد المالية وقليلا من فرص العمل،  وقد أصاب دولا أخرى بالإضافة إلى هولندا ،مثل إسبانيا واستراليا ونيجيريا.
فزيادة الصادرات النفطية يرفع من قيمة العملة المحلية ويجعل من الصناعة الوطنية أقل قدرة على المنافسة مع بضائع وسلع الدول الأخرى، كما أن السوق النفطية تمتاز بتذبذب أسعارها ، ناهيك عن أن قطاع النفط يعد من القطاعات القليلة الامتصاص للبطالة لكونه يتطلب كثافة في رأس المال.
ولعل أخطر أعراض المرض الهولندي هي تلك المتعلقة بالآثار الجانبية للمرض  وانتقالها من مجال الاقتصاد إلى مجال الممارسة السياسية، فتركز ثروات طائلة متأتية من موارد طبيعية مطلوبة في سوق الاقتصاد العالمي بيد جماعات فئوية أو دوائر ضيقة يضفي على النظام والنشاط الاقتصادي طابعا ريعيا يدر أموالا لكنه يؤدي إلى تعطيل قوى العمل وأنشطة الإنتاج. فالدول الريعية تظهر فيها حكومات لا تؤمن بالديمقراطية وتتركز جهودها على إدامة النظام السياسي القائم على حساب الأهداف الأخرى، فتفشل الدولة في تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية حقيقية لتسهم في خلق جيل من الاتكاليين الذين يعتمدون على الدولة لكسب معيشتهم ويقتل لديهم الرغبة غي العمل والمنافسة والإبداع.
وفي المقابل فإن  حكومة الدول النفطية لا ترتبط بالمواطن لكونها ليست بحاجة له لأنها تتسلم موارد هائلة من واردات النفط ،فعندما لا يدفع المواطن الضرائب فانه يشعر بأن حكومته منفصلة عنه وأنها تحولت إلى دكان لبيع النفط لا تخشى محاسبة المواطن الذي لا يسهم هو الآخر في رفد اقتصاد الدولة بشكل مؤثر.
وهذا بدوره ينعكس على الأداء السياسي لحكومات الدول الريعية. ويؤدي إلى خلق مناخات سياسية تنمو في غمارها النزعات السلطوية وأساليب الحكم الاستبدادية،حيث يتم التزاوج بين الثروة والسلطة، لتسهم في نشوء دولة أكثر مركزية يتضاعف فيها الإنفاق الحكومي  مع تقلص حظوظ مواطنيها  في مقدرات بلادهم مما يولد مشاعر السخط بين هؤلاء المهمشين ، ويشكل دافعا قويا لدى الحكومة لتعزيز آلتها القمعية  للإبقاء على الأوضاع دون تغيير. وهذا ما شهده العراق منذ عدة عقود منذ اكتشاف ثروته النفطية. فقامت الأنظمة السياسية فيه باستخدام الثروة النفطية في إنشاء أنظمة رعاية من أجل البقاء في السلطة لأطول مدة ممكنة، وشرعت في توزيع هباتها حسب درجة الولاء للمقربين منها وتركت الأغلبية العظمى يحصلون على الفتات في بلدهم الغني.
وعلى الرغم من تشكل نظام سياسي جديد في العراق بعد سقوط النظام البائد، قائم على أساس ديمقراطي يستند إلى دستور موقت، يضمن استقلالية سلطاته الثلاث التي تستمد شرعيتها من الشعب باعتباره مصدرا لكل السلطات، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور تكتلات سياسية متنفذة جمعت ثروات طائلة بفعل مركزها السياسي استحوذت على امتيازات ضخمة من النفط، فضلا عن استغلال المال العام في شراء الذمم وفي موسم الانتخابات للحصول على أصوات الناخبين، ولا ننسى الفساد الإداري والمالي الذي استشرى بشكل كبير.
التخلص من لعنة الموارد التي أصابت اقتصاد البلد وانتقلت عدواها إلى نظامه  السياسي يتطلب حلولا عدة ،منها تنويع صادرات البلاد للخروج من دائرة الاقتصاد الأحادي الجانب الذي يعتمد على النفط، واتباع سياسة لا مركزية في تنظيم صناعة النفط واعتماد مبدأ الشفافية في إدارته وإنشاء صندوق للنفط يضمن توزيعا عادلا لأرباح النفط على المواطنين،  ووضع نظام ضريبي يعيد ارتباط الجماهير بحكومتها.
المرض الهولندي درس قاس تعلمت منه الدول التي أصابها كيف تتعامل مع إدارة ثرواتها والحد من الاعتماد على القطاع النفطي وتنويع صادراتها، لتمكين اقتصادها من التكيف مع الظروف من ناحية قلة أو وفرة الموارد الطبيعية فيها، وحماية نظامها السياسي من انتقال عدوى المرض إليه. الذي يحول نعمة الثروات الطبيعية إلى نقمة يدفع ثمنها المواطن بالدرجة الأولى،ويسهم في ظهور أنظمة مستبدة فيها.
وأخيرا، فليس هناك بوادر حكومية تلوح في الأفق للتخلص من أعراض المرض الهولندي أو لعنة الموارد، للأخذ بتلك التدابير المذكورة آنفا، لاسيما أن الصراع الذي تشهده الساحة السياسية تحركه دوافع مادية بحتة، لكنها – أي الحكومة - قد تجد نفسها مضطرة في آخر المطاف لاتباعها، وكما قيل قديما فإن آخر العلاج الكي.           

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

العراق يقلص صادراته النفطية واستهلاكه المحلي
اقتصاد

العراق يقلص صادراته النفطية واستهلاكه المحلي

بغداد/ المدى أعلنت وزارة النفط، اليوم الجمعة، تخفيض وتقليص صادرات العراق من النفط الخام وتقليل استهلاكه المحلي. وذكرت الوزارة في بيان، تلقته (المدى)،: "تماشياً مع التزام جمهورية العراق بقرارات منظمة أوبك والدول المتحالفة ضمن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram