أولئك الذين ناموا في كهفهم دهوراً واستيقظوا ليجدوا أنفسهم في زمن آخر، كان عددهم في القصة القديمة سبعة فقط. اليوم من يريد أن يُحصي عدد أهل الكهف الذين تزدحم بهم الصحافة الثقافية العربية، سيجد نفسه في حيرة. ليس لأن عدد أبطال زمننا التعيس هؤلاء لا تستوعبه قائمة، ليس لأن تثاؤبهم بكل ما يحويه من تلوث وبقية نعاس يعدي، ليس لأن بين صفوفهم العديد من النساء، بل لأنهم هم وليسوا غيرهم الذين يسيطرون على المشهد الثقافي في بلداننا الناطقة العربية، يحركون رياح المشهد الثقافي بما تشتهي سفنهم، يروجون لبضاعتهم المغشوشة الصنع. أهل الكهف في كل الأساطير، ذهبوا إلى السوق وفي جيوبهم عملتهم القديمة، وذلك ما جعلهم ينكشفون. أهل الكهف من مثقفينا المعاصرين، لكن النائمين لكل الدهور، في جيوبهم عملة معدنها رخيص، يفرضونها على الجمهور العام بترويج من السلطات التي يعملون لها، والتي كم يطيب لها، أن المثقفين هؤلاء مثل حنون المثل ذلك الذي رغم كل ما بذله جهد، ظل كما هو: ما زاد حنون في الإسلام خردلة ولا النصارى لهم شغل في حنون!
بالتأكيد سيستيقظ أحد أهل الكهف هؤلاء من غفوته، ليقول متسائلاً: وما العلاقة التي جمعت بين مثقفين سيمون دي بوفوار، في روايتها الشهيرة "المثقفون"، وبين مثقفينا من أهل الكهف؟
وللإجابة عن هذا السؤال، أريد طمأنة البعض، أن الحديث الذي دار في الصحف العربية عن الترجمة الصادرة قبل ثلاث سنوات ونصف للبنانية ماري طوق (نعم: قبل ثلاث سنوات ونصف!)، هو مجرد مثال عارض، مناسبة لحديث بالتأكيد سيطول ويطول عن محنتنا التي كما يبدو لن ينتهي لها قرار. في الحقيقة ما كنت قد كتبت عن الموضوع، لو لم أقرأ قبل أيام مقالاً ثانياً عن الترجمة في جريدة الحياة الدولية، لأن المقال الأول للروائية الكردية السورية مها حسن نُشر في الحياة بتاريخ 31 تشرين أول 2009. حاولت في البداية العثور على جواب منطقي للنشر غير العلاقات الشخصية والسذاجة والغباء، لكنني لم أفلح. طبعاً من حق المترجمة ماري طوق ترجمة الكتاب الذي تشاء، أمور مثل هذه حدثت وتحدث يومياً، فإن يعيد أحدهم ترجمة كتاب، ليس بأمر جديد. في الغرب وعندنا. هناك ترجمات عديدة خاصة للكتب الكلاسيكية، شكسبير وسيرفانتيس، تولستوي ودوستويفسكي، ديكنز وهوغو وبلزاك...ألخ. شخصياً أخصص شتاء كل عام لقراءة الترجمات الجديدة الصادرة من الكتب الكلاسيكية التي سبق أن قرأتها. العام الماضي قرأت "الآمال الكبيرة" لديكنز و"صومعة بارما" لستندال و"الحرب والسلام" لتولستوي. هذا العام سأقرأ "مدام بوفاري" لفلوبير و"آنا كارنينا" لتولستوي. جميعهم بترجمات ألمانية جديدة. وهي متعة لها علاقة باسترجاع زمن القراءات القديم، مثلما لها علاقة بالروح التي تبثها فيها الترجمة الجديدةً. الصحافة الغربية تحتفي بالمناسبة وتنشر العديد من المقالات. في كل الترجمات هذه هناك ملحق خاص من المترجم أو المترجمة يبين ميزات ترجمته مقارنة بترجمات أخرى صدرت قبلها. أمر متروك في النهاية لتقدير الخبراء، طبعاً ليس هناك ناقد أو خبير يمدح أو يذم ترجمة جديدة دون معرفة باللغة الأصلية التي تُرجم عنها الكتاب. للأسف لم تسنح لي الفرصة بالحصول على ترجمة ماري طوق لرواية سيمون دو بوفوار "المثقفون"، (لكي أعرف إذا كانت ذكرت الترجمة القديمة للكتاب أو كتبت مقارنة معها) لذلك لن تكون هي موضوع الحديث. خاصة وأن الذين كتبوا عن ترجمتها عددهم لا يُحصى، والذين ما كنت جئت لا على ذكرهم ولا على تذكر أهل الكهف في القصة القديمة وفي زمننا الحديث، لو لم أقرأ المقال/ الشعرة التي قضمت ظهر البعير قبل أيام. وهذا ما سآتي عليه في عمود الأسبوع القادم!