TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > غنّـــوا

غنّـــوا

نشر في: 15 يناير, 2013: 08:00 م

أول أغنية سمعتها في التظاهرات السورية كانت "جنو جنو البعثية". حين سمعتها وشاهدت الرقصة الجماعية للمتظاهرين التي رافقتها، أيقنت أن الطاغية سيسقط قريبا. كنت ألاحظ وجه الأسد أيام اتساع ظاهرة الأغاني فأجده محتقنا ومختنقا أكثر مما أراه اليوم، بعد أن خفت صوت الأغاني ليحل محله صوت الرصاص ورائحة الدم ودخان الحرائق.

كنت قبلها أتابع سحنة مبارك وكيف انقلبت إلى صفراء شاحبة حين حوّل المتظاهرون في ميدان التحرير شعار "ارحل .. ارحل" إلى أغنية:

كلنا إيد وحدة .. طلبنا حاجة وحدة

ارحل .. ارحل .. ارحل

وحتى عندما حدثت واقعة الجمل السيئة الصيت قاوم المصريون قنابل المولتوف والرصاص الحي بالأغاني. وحين اتهمهم أزلام النظام بأنهم عملاء وجواسيس غنى المتظاهرون والمتظاهرات:

ركنا الميكروباص ووقفنا في التحرير

وقلنا مش ماشيين إلا بعد التغيير

بيقولوا علينا عملاء بيقولوا علينا جواسيس

الميكروباص مش رايح لا دقي ولا رمسيس

وفي العراق، يوم انطلقت أول تظاهرة ربيعية في ساحة التحرير في 25 شباط في العام 2011، تغير لون وجه المالكي وارتعدت فرائص مقربيه أكثر مما ترتعد اليوم، رغم أن التظاهرات الجديدة أكبر حجما وعدة من الأولى. لماذا؟ لأن المتظاهرين كانوا يغنون وليس بينهم بكّاء ولا لطّام. مخطئ من يظن أن الطاغية له قلب يتوجع حين يسمع أرملة تبكي أو شيخا ينحب، لأن ضميره قد قدّ من خشب كرسي السلطة الذي التصق بأسته.

من كل ذلك خرجت بأن في كل طاغية سادية لا ترويها دموع المظلومين حتى لو ملأت الربع اليابس من الكرة الأرضية. وعرفت أيضا بأن الطغاة ترعبهم الأغاني وتفقدهم توازنهم. ليس اليوم، بل من اليوم الذي انقلبوا فيه، بفعل رعبهم، إلى كلاب مفترسة تنهش أصابع مغني الحرية الخالد فكتور جارا وهو يغني ضد الدكتاتورية في ملعب تشيلي الرياضي بسانتياغو عام 1973. فعلام لا تغنون أيها المتظاهرون؟

غنوا، لتسقطوا ادعاء من يتهمكم بالطائفية. فإن كان هناك أذان سني وآخر شيعي. وهناك وضوء سني وآخر شيعي. وهناك رجل دين سني يقابله شيعي. لكن هل سمعتم بأغنية سنية وأخرى شيعية؟

غنوا، لتلجموا من يتهمكم بالإرهاب لأن الإرهابي لا يغني.

غنوا، لتقطعوا الطريق على من يتاجر بمطالبكم أو يسيسها لصالحه لأن حناجرهم صدئت مثل قلوبهم  بفعل الفساد ونهب أموال البلاد والعباد.

غنوا، لينكشف الصوت النشاز الذي اندس أو قد يندس بينكم.

غنوا، لتعرفوا من هو معكم ومن عليكم.

غنوا، لتميز الناس خيط تظاهراتكم الأبيض عن خيط تظاهراتهم الأسود.

غنوا، لتكشفوا عورة الظلاميين وتشعروهم بالعزلة، إذ ليس عندهم ما يغنونه أو يتغنون به.

غنوا، لتنتصروا يا أولي الحياة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram