دعُونا نحاوّل قياس الزمن السياسي بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠١٣. الأول كان يصادف مرور سنة على تولّي المالكي منصبه، والثاني يصادف مرور سنة على انسحاب الجيش الأميركي وأيضاً على قرار أوباما "سحب" التأثير الذي كان لواشنطن في العراق. محاولة قياس الزمن هذا تسهل علينا فهم ما يجري من "عصيان" في المدن السنية، والتعمق في تلك الاعتراضات الغاضبة في منتجع سره رش حيث يقيم بارزاني على سفح جبل منيع، وقراءة أنواع "الندم" التي يمكننا رصدها في أروقة النجف أو قرب الموانئ ومكامن البترول حيث يبني الشيعة مجدا كبيرا ويحلمون بإيجاد موطئ قدم على خارطة التجارة الدولية.
في سنة ألفين وسبعة واجه المالكي اختبارا عسيرا حين انسحب من حكومته كل وزراء القائمة العراقية التي يرأسها علاوي ووزراء جبهة التوافق ووزراء التيار الصدري. اكثر من ١٦ وزيرا يمثلون العرب السنة، والعلمانيين الشيعة (علاوي)، والراديكاليين الشيعة الشباب الذين يتزعمهم الصدر، انسحبوا تباعا للاحتجاج على أسلوب المالكي في الحكم. لكن تلك الايام لم تكن قد أصبحت بعد، سخية مع المالكي لتمنحه الزهو الذي يركبه حاليا، فقد ذهب بعد تلك النكسة (وبكل تواضع) الى المجلس الاعلى بقيادة عبد العزيز الحكيم وطلب اعادة اعتبار لتشكيلته الوزارية وهيبتها سياسيا بعد "الضربة الثلاثية" التي تلقاها من علاوي والصدر وجبهة التوافق.
الأمر انتهى صيف ٢٠٠٧ بحوار مع الحزبين الكرديين بزعامة جلال طالباني ومسعود بارزاني، خاضه حليفهما الحكيم وانتهى بتحالف بين اربعة احزاب تاريخية، اثنان شيعة واثنان اكراد (الدعوة والمجلس والاتحاد والحزب الديمقراطي) هدفه حماية "حكومة الشراكة المسؤولة" التي يرأسها المالكي.
التحالف الرباعي (للاحزاب العريقة) جاء ردا على الضربة الثلاثية التي قامت بها احزاب منخرطة حديثا في السياسة مثل مكونات الجبهة السنية والتيار الصدري، وسياسي مخضرم مثل علاوي شعر بخيانة وانكار لدوره في معارضة صدام حسين ثم ترؤس الحكومة العراقية التي نظمت أول انتخابات عام ٢٠٠٥.
والعملية هذه أتاحت للمالكي تأسيس قاعدتين. الأولى أن تنكر جميل من ساعدك وتستعد لتطويقه قبل ان يطلب منك "تقاسم السلطة المسؤول" الذي آمن به طالباني وبارزاني والحكيم، حين تصرفوا كشيوخ للعملية السياسية، ضد "مراهقيها" اي الجبهة السنية والصدر، وضد "طريدها المنبوذ" علاوي.
اما القاعدة الثانية فكانت تقول ان العراق ستتحكم به أرقام البرلمان وعدد المقاعد الى حد كبير، وان في وسع المالكي استغلال ايران وامريكا لتحويل السنة وعلاوي والصدر الى تابعين له، يستخدمهم للي ذراع "شيوخ العملية السياسية". فبدل ان تتمسك بتحالفك الرباعي مع "الرؤوس الكبيرة" يمكنك تطويع اطراف "الضربة الثلاثية" واستخدامهم كأرقام بالدرجة الاولى ضد نوع الاحزاب التي انقذت الحكومة عام ٢٠٠٧.
ان جزءا من حكاية التحالف الرباعي المذكور كان يعني ان لدينا رأسين كبيرين يقيمان علاقة استراتيجية في كردستان، ويمكن الوثوق بالتزامهما المشترك هناك، وقد ودعا خلافات الماضي ودخلا صيغة لتقاسم السلطة والمسؤولية بعد سقوط صدام. وكان الحكيم يفترض ان حزبه مع حزب المالكي يمكن ان يمثلا النسخة الشيعية للنموذج الكردي اي نموذج تقاسم السلطة المسؤول. وحين يجتمع رأسا الشيعة مع رأسي الأكراد، في مناخ ثقة عميقة، يمكن تذليل كل العقبات واحتواء أطراف "الضربة الثلاثية". فالحكيم هنا كان يشبه بارزاني وطالباني، باحثا عن تحالف مسؤول لعبور أخطار لن تنتهي. الا ان المالكي لم يكن من هذا الطراز، ولم يكن قلقا حيال الاخطار، وأراد كسب بعض الوقت فقط لكي يتخلص من كافة اعباء "الشراكة المسؤولة" ليدخل مرحلة "القيادة القوية" التي يهابها الجميع ويتبعونها، مثل شبح لسلطان شرقي لا وقت لديه لفهم معنى "التعدد السياسي" وتعدد مراكز القوى، لا بالمعنى الحديث لدى مونتسكيو، ولا بالمعنى السائد لدى الحزبين الكرديين وسليل عائلة فقهاء مثل الحكيم.
الزمن السياسي الذي يفصل بين ٢٠٠٧ و٢٠١٣ كان زمن انقلاب المالكي على التحالف الرباعي بامتياز. ومعنى هذا الزمن، اجتمع بخلاصة مؤلمة في ٢٠١٢ عند رحيل الامريكان.
وقد بدا ان المالكي يكسب كل المعارك، لكن تعالوا نتأمل النتائج. ان المالكي هذه اللحظة ونتيجة مبالغته في تقدير قوته، يجد الجميع ضده. اطراف التحالف الرباعي خسرهم شر خسارة. وصاروا قريبين من اطراف "الضربة الثلاثية". والسنة والصدر لم يعودوا حديثي عهد بالسياسة بل تراكمت خبراتهم وصاروا منحازين لمدرسة "تقاسم السلطة المسؤول" التي ارسى دعائمها طالباني بصبر، ضد "شهية" الرجل القوي الذي بدد اشكال الثقة المتاحة.
والنتيجة المنطقية (او اللامنطقية) لكل هذا، ان لا احد يقبل بشراكة مع زعيم يريد اخضاع الجميع. وهكذا فان المالكي اغضب النجف والصدر والحكيم وكل الاكراد والسنة وعلاوي والجلبي، دفعة واحدة وفي سنة بدأت باجراءات اعدام نائب الرئيس وانتهت بدبابات عند السفح الكردي وعصيان سني يبدو مثيرا ومقلقا. ولم يعد امامه سوى خيارين كلاهما مر. الاول ان يبقى يعيش ويتأمل اشد لحظات العزلة وغياب الحليف التي مرت عليه طيلة ٧ اعوام. والثاني ان يخضع لاجراءات عزله التي بدأت عمليا في لقاءات اربيل والنجف في ١٩ ايار مايو الماضي، ودخلت مرحلة مثيرة مع اعتراف الحكيم والصدر والاكراد بمشروعية ما يحدث من عصيان مدني ضد المالكي.
المالكي الرافض لتقاسم السلطة في بلاد تعددية مثل العراق، بدأ يتذوق طعم العزلة او العزل، وكلاهما يحمل معنى من معاني النهاية، بمنطق كل هذا "الربيع العربي".
٢٠١٣ عُزلة المالكي أم عَزله؟
[post-views]
نشر في: 15 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 4
المدقق
لن يسقط المالكي وسيبقى قويا رغما عنكم وعن كل الافاقين اتعرفون لماذا ؟؟؟ لان المالكي هو الوحيد الذي يحب العراق اما الباقين فتحركهم اجنداتهم الخارجية .... وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون ....
اكرم حبيب
السيد الطائي من لاعهد له لا امان لهوهذا يجسده السيد المالكي كما ان السيد الحكيم تضأل دوره السياسي لاخطاء جناحه العسكري قبل انفصال بدر عن المجلس اللااسلامي والاكراد اصحاب قضية قومية لاموقف مبدئي لهم تجاه العراق كبلد موحدوانما مصالح قومي واقطاعيات لم المغال
المدقق
لن يسقط المالكي وسيبقى قويا رغما عنكم وعن كل الافاقين اتعرفون لماذا ؟؟؟ لان المالكي هو الوحيد الذي يحب العراق اما الباقين فتحركهم اجنداتهم الخارجية .... وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون ....
اكرم حبيب
السيد الطائي من لاعهد له لا امان لهوهذا يجسده السيد المالكي كما ان السيد الحكيم تضأل دوره السياسي لاخطاء جناحه العسكري قبل انفصال بدر عن المجلس اللااسلامي والاكراد اصحاب قضية قومية لاموقف مبدئي لهم تجاه العراق كبلد موحدوانما مصالح قومي واقطاعيات لم المغال