TOP

جريدة المدى > سينما > الموت والحب والثورة : "البؤساء" تحفة فنية على الشاشة مرة أخرى ولكن هذه المرة عن مسرحية موسيقية

الموت والحب والثورة : "البؤساء" تحفة فنية على الشاشة مرة أخرى ولكن هذه المرة عن مسرحية موسيقية

نشر في: 16 يناير, 2013: 08:00 م

رواية "البؤساء" أيقونة فرنسية وإنسانية لاحقا عن الحب والثورة والموت، والشقاء والبحث عن العدل والحق والحرية.وليس جديدا أن يتم اقتباسها إلى السينما، وهو ما فعلت معظم شاشات العالم، حتى العربية منها، لكن الجديد، أن يتم تحويلها فيلما مقتبسا عن المسرحية ال

رواية "البؤساء" أيقونة فرنسية وإنسانية لاحقا عن الحب والثورة والموت، والشقاء والبحث عن العدل والحق والحرية.
وليس جديدا أن يتم اقتباسها إلى السينما، وهو ما فعلت معظم شاشات العالم، حتى العربية منها، لكن الجديد، أن يتم تحويلها فيلما مقتبسا عن المسرحية الغنائية والموسيقية الشهيرة وبعنوان الرواية الأصلي ذاته، وبدأت عروضها في مسارح "برودواي" بنيويورك و"ويست اند" في لندن منذ تسعينات القرن الماضي.
الجديد أننا حيال فيلم موسيقي – غنائي ولكنه أيضا مخلص للنسيج الدرامي الأصلي لرواية فيكتور هيغو، وكانت عروضه بدأت في منطقتنا (بيروت وعمان) قبل نحو أسبوعين، وهو ما جعل فوزه بثلاث جوائز ضمن مسابقة "الكرة الذهبية" (غولدن غلوب) قبل يومين، حدثا جديرا بالمتابعة، فقد فاز " Les Miserables " بجائزة أحسن فيلم موسيقي، وممثله هيو جاكمان نال جائزة أفضل ممثل، وممثلته آن هاثاواي حازت   جائزة أحسن ممثلة مساعدة.
ومع المشهد الأول تكون ثنائية:  القانون الغاشم السلطوي ( ممثلا بالشرطي الذي لا يرحم جافرت الذي يؤدي دوره الممثل راسل كرو)- السجين الباحث عن ضوء عدالة وحرية (ممثلا   بجان ،فالجان الذي يؤدي دوره الممثل هيو جاكمان)، قد رسمت ملامحه، مع خوف ووجل يقابله المشاهد، لاسيما أن لا حوار في الفيلم غير النص المغنى وفق أسلوب الغناء الكلاسيكي الذي يناسب المسرحيات الموسيقية الضخمة، والقريب من قالب الغناء الاوبرالي، الثقيل عادة على أسماع الجمهور المحلي في منطقتنا، غير أن هذا التردد عند المشاهد، مايلبث أن يخف ليتحول إلى حرص على المتابعة حتى يصل إلى حدود الشغف بمتابعة كل حدث، وكل حركة في أداء مجموعة كبيرة من الممثلين الجيدين.
ويحسب هذا التحول لحسن السيناريو الذي كتبه ويليام نيكولسن اعتمادا على نص المسرحية الموسيقية التي كتبها كلود- ميشيل شونبيرغ والين بوبليل، ولبراعة المخرج توم هوبر  الذي عرفناه من قبل مخرجا للفيلم الفائز بجائزة الأوسكار قبل سنتين " خطاب الملك" أو "كينغ سبيتش".
 ومن المشهد الذي عرفنا بثنائية (جان فالجان- جافرت) يحصل التحول في المسار الدرامي ومن ثم الإنساني الذي يخلل حدة الثنائية ( الضحية- الشرطي)، فبعد سنوات من الإفراج الشرطي، يصبح فالجان صاحب مصنع ورئيس بلدية مونروي سور مير، وهناك يتعمق المسار الإنساني،  حين يكتشف فالجان، العاملة فانتين ( الممثلة آن هاثاواي) الحريصة على العمل بدأب لتوفير حياة كريمة لطفلتها الوحيدة، كوزيت ( تؤدي شخصيتها إيزابيل ألين)   المودعة بحماية الثنائي الجشع وعديم الضمير (الممثل ساشا بارون كوهين، والممثلة هيلينا بونهام كارتر).
المسار الدرامي يتصاعد، حين يقوم رئيس العمال بطرد فانتين من عملها في معمل للخياطة، فتضطر للتحول إلى الدعارة. هنا لايمكن إلا التوقف عند عناصر بارعة في الإخراج والسينماتوغرافيا والأداء التمثيلي، عبر مشهد تحول العاملة المظلومة إلى بيع جسدها، فيكون المشهد الذي برعت بأدائه الممثلة هاثاواي ( اضطرت لتخفيض وزنها لتبدو نحيلة مريضة واهنة فعلا وعاشت لأسابيع على الشوفان فقط)، أحد أكثر المشاهد قسوة في تاريخ السينما لجهة تكثيف الدلالات الرمزية والنفسية والجسدية لقذارة بيع الجسد من اجل توفير لقمة الخبز. مشهد مرسوم بعناية وان كان مصنوعا وفق تقنيات ومؤثرات بصرية لكن بفضاء مسرحي واقعي، كل شيء فيه يوحي بالقذارة والظلمة الخانقة والعتمة والقسوة، من بائعات الجسد إلى المتربصين بحاجة فانتين إلى المال كي ترسله لابنتها، فتبيع أسنانها، وشعرها إلى جانب بيعها لجسدها، إلى المكان القذر الخانق، إلى الرجال السماسرة بأصواتهم الغليظة الجارحة، والأغنيات التي تشبه الفحيح، فيما فانتين تذوي في ذلك الفضاء المعتم الخانق، لتنقل إلى المستشفى وهناك يلتقيها جان فالجان بوصفه رئيس بلدية المدينة، وتخبره قبل موتها بقصة ابنتها، ليبدأ من هنا مسار درامي جديد.
أداء الممثلة آن هاثواي لدور فانتين، وإن بدا قصيرا مع زمن الفيلم ، إلا انه بدا من الإتقان والبراعة، ما يمكنه أن يرسخ في ذهن المشاهد بقوة: انه بدا كالأمل وقد حاصره الألم من كل جانب، ليتحول خيبة متواصلة، أنها صورة الجمال الذي يذوي في أقبية المجتمع وقوانينه القاسية، أنها صورة الحق وهي تتمزق بيد القانون الغاشم، ومن هنا يأتي فوزها بجائزة أحسن ممثلة مساعدة في جوائز "غولدن غلوب" تقديرا مستحقا عن دورها اللافت والعميق.
فيكتور هيغو وصف في روايته وانتقد الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون في 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في 1832. إنه يكتب في مقدمته لرواية "البؤساء" : "تخلق العادات والقوانين في فرنسا ظرفا اجتماعيا هو نوع من جحيم بشري. فطالما توجد لامبالاة وفقر على الأرض، تبدو الحاجة لكتب كهذا الكتاب ضرورية دائما".
فالجان وبعد موت فانتين، يسعى إلى الوصول للابنة الصغيرة كوزيت، ومقابل انتزاعها من براثن الثنائي الجشع، لا يتردد في مبادلتها بالكثير من الأموال، كي يكون بمثابة الأب لها.، وتصبح بعد تسع سنوات، شابة جميلة يقع في هواها احد الطلبة الثائرين والباحثين عن الحرية،  ليجد فالجان نفسه في جبهة الثوار من اجل إنقاذ حبيب ابنته، وليواجه جافرت العنيد مرة أخرى، ولكن هذه المرة، وبتأثير قتله لأحد الأطفال في جبهة الثوار، يكون قد بلغ القلق أشده، وراح في واحد من مشاهد الفيلم التي لا تنسى يمشي متأرجحا على حافات الأبنية العليا في باريس، تعبيرا عن قلقه الذي يورث العذاب وتأنيب الضمير، ليقرر الانتحار رميا لجسده في من الحافة العالية إلى نهر السين.
ومثلما بدأ مشواره مع الحرية بعد خروجه من السجن، عبر دير معزول، انتهى جان فالجان إلى الدير بحثا عن سلام نهائي، إذ أصبح مطمئنا على مصير كوزيت التي اختارت الحب والثورة، وكان الموعد مناسبا لاستحضار روح فانتين، والتحليق إلى السماء للقائها، ولقاء أرواح الشبان القتلى على حاجز الثورة في شارع سوفلو بباريس، حيث مشهد النهاية لكن صوت الثوار المغدورين يتسع ليصبح صوت الشعب بأكمله في نشيد حرية هادر.
كل الانتقالات الرهيبة لشخصية جان فالجان: من السجين المظلوم إلى المسؤول الحكومي، ثم الحريص على رسالة تربية كوزيت وفاء لروح فانتين، ثم الاشتراك بالثورة، أداها الممثل هيو جاكمان ببراعة لافتة، حد أن أداء الممثل النجم راسل كرو لشخصية جافرت بدا باهتا أمام الهدير التعبيري للممثل جاكمان وعنه استحق جائزة "غولدن غلوب".
من الأدب الى المسرح الموسيقي والغنائي ومنه إلى الشاشة، انتقالات جعلت عالما خياليا في الفيلم، يبدو حقيقيا في قوة ملامحه، واتصاله مع أفكار ومصائر إنسانية ما انفكت تعيش في عالمنا المعاصر والحقيقي بقوة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram