TOP

جريدة المدى > سينما > الجدار الإسرائيلي . . معرض فلسطيني دائم

الجدار الإسرائيلي . . معرض فلسطيني دائم

نشر في: 16 يناير, 2013: 08:00 م

قيس قاسم يأخذنا البرنامج التلفزيوني الفرنسي «رسوم الشوارع» مع الفنان التشكيلي جولين مالاند في جولة حول العالم، تبدأ من الصين وتنتهي في فلسطين، مسلطة الضوء على نماذج من أشهر أعمال رسامي الشوارع، بأسلوب شيق، فيه مقدار كبير من المتعة وا

قيس قاسم

 يأخذنا البرنامج التلفزيوني الفرنسي «رسوم الشوارع» مع الفنان التشكيلي جولين مالاند في جولة حول العالم، تبدأ من الصين وتنتهي في فلسطين، مسلطة الضوء على نماذج من أشهر أعمال رسامي الشوارع، بأسلوب شيق، فيه مقدار كبير من المتعة والعفوية إلى درجة كان الرسام الفرنسي يشارك بنفسه في رسم لوحات بعضهم. ولأنه ليس بصحافي متخصص غلبت على أسئلته الموجهة للفنانين الذين التقاهم في برنامجه البساطة و«الانحياز» الواضح لهذا الاتجاه الشعبي من الفن، المُعبِر جوهره عن مواقف سياسية وإنسانية تجعل منه فناً متعارضاً مع مفهوم الثقافة السلطوية السائدة، مُعلناً عن مواقف سياسية احتجاجية تظهر خصوصاً في فن «الغرافيتي» أو ما يسمى بالرسم على الجدران العامة.
في إسرائيل وجد هذا الفهم مكانه عند مجموعات من رسامي الشوارع يعملون في شكل شبه سري، وهم عرضة لملاحقة الشرطة ومع هذا لا يترددون في تنفيذ رسوماتهم على جدران المدينة. وخلال زيارته مدينة حيفا، التقى مالاند جماعة «بروكين فينغاز» المشهورة بأعمالها الجريئة التي أكسبتها كراهية السلطات الرسمية. ولم يفت البرنامج تسجيل أحد فصول هذه الكراهية حين حاولت سيارة لرجال الشرطة تحذيرهم باحتمال تدخلها لإنهاء حفلة كانوا يُنظمونها، ما اضطرهم إلى قطع الموسيقى والتزام الصمت لحين مغادرة الشرطة.
وخلال مرافقة مالاند للجماعة أثناء شروعهم بالرسم على جدران بناية قديمة، مهدمة، اتضح له حدة الصراع في هذا البلد بين أصحابه وبين من يريد إلغاء وجودهم. فالحي الذي كانوا يرسمون فيه، سكنه الفلسطينيون حتى 1948. وفي 1959 شهد الحي أعمال عنف بين اليهود العرب الوافدين من شمال أفريقيا وبقية سكانه الأوروبيين. وبهدف فك النزاع استُدعيت الشرطة وتدخلت بقوة فقتلت عدداً من المحتجين على سياسة التمييز بين اليهود أنفسهم.

صعوبة تحديد مفهوم الوطن بين مواطنيه، اشتغل عليها الفنان «نو» عبر شخصيته التشكيلية المعروفة وسط فناني الشوارع بـ «ليمبو» النحيف. ذهب «نو» بصحبة الفنان الفرنسي وطلب مساعدته لإقامة عرض سريع له في شارع عام ووسط كومة من النفايات كتب فوقها كلمة: «وطني» للدلالة على نفوره من مفهوم ملتبس، كما يقول: «وطننا، كلمة ملتبسة. تعبير مجرد تحول مع الوقت إلى وعد زائف كل واحد منا يفسره وفق هواه. أما أنا فأفسره بكتلة الزبالة هذه».
إلى الجهة الثانية من الجدار العازل حيث يقيم الفلسطينيون وَصَل جولين، وفي مخيم الدهيشة التقى الفنان يزن واطلع على الكثير من رسوماته المنفذة على جدران مخيمات بيت لحم وأكبرها حجماً كانت «الجدارية المعلقة»: بورتريه غير مكتمل للقائد ياسر عرفات، خوفاً من المصادمات المحتملة بين الجيش الإسرائيلي وأهله. فقوات الجيش كما قال «قد تجبره بالقوة على ترك عمله إذا شاهدوه يرسم صورة لأبي عمار، وكرد فعل متوقع قد يتدخل أهالي المعسكر لمنعهم من هذا، بالتالي قد تنشب معارك لا يتردد الطرف الإسرائيلي من استخدام السلاح فيها». بسرية أكثر من أمثاله رسامي الشوارع في الطرف الثاني من البلاد يرسم يزن لوحاته وكلها تعبر عن معاناة أهله وصراعهم الطويل. يرسم بعض تخطيطاته بأعواد الثقاب والحبر الأسود، وهو أمر وجده الفرنسي مستحيلاً وسوريالياً. وحين زار محل الخطاط والرسام الفطري أبا أسامة وسمع منه مغامرته في الرسم أثناء منع التجول خلال حرب الخليج تعمق عنده الإحساس بسوريالية الوضع. فالرجل كان يفتح محله سراً ويبدأ الرسم والخط فيه صامتاً طوال ساعات النهار من دون أن يُسمع له صوت. وفي حلقات تعليم الرسم التي ينظمها «مركز الفينيق» لتعليم الأطفال فن الرسم فَهَم جولين ماذا تعني «رسومات الشوارع» عند شعب محروم من أرضه ومعزول بجدار إسمنتي.
منذ مجيء رسام الغرافيتي العالمي بانسكي ورسمه لوحات رائعة فوق الجدار العازل الذي بناه الإسرائيليون بحجة حماية أنفسهم من هجمات الانتحاريين، تحول المكان إلى مزار لكل رسامي الشوارع في العالم. يجيئون إلى هنا يرسمون فوقه ثم يمسحون ما رسموه ليتركوا فراغاً لغيرهم من الرسامين، وهذا ما فعله جولين نفسه حين ذهب ورسم لوحة لامرأة فلسطينية تحمل بيدها مفتاحاً، ثم عاد ومسحه متيحاً لآخرين فرصة التعبير عما يجول في خاطرهم وهم يرون جداراً يفصل شعباً عن أرضه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram