يبدوا أن السياسيين الذين فزعوا لركوب موجة التظاهرات الأخيرة يقفون هذه الأيام مدهوشين، إذ يبدوا على رياح الأحداث أنها مشاكسة أكثر مما يجب، وأن ليس بنيتها دفع سفنهم اتجاه حصاد المزيد من المكاسب السياسية والأصوات الانتخابية، فمقتل النائب عيفان العيساوي إضافة إلى محاولات الاغتيال التي أخذت تزداد هذه الأيام وتستهدف قادة "سنة"، بمثابة جرس إنذار نبه الجميع إلى ضرورة اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر. فمن جهة، لا يبدوا على هؤلاء السياسيين أنهم يمسكون دفة الجماهير المتظاهرة.. ومن جهة أخرى يبدوا أن الأحداث قد تشهد بعض التصفيات بهدف إعادة رسم الخارطة السياسية استعداداً لخوض الانتخابات المقبلة. وهذا ما يوقف الجميع أمام حاجة ماسة لإعادة الحسابات، فحتى التحالف الكردستاني لم يسلم من الضربات، بل لقد أخذ نصيباً وافراً منها، الأمر الذي يعني أن لدى أسياد لعبة البوكر العراقية أهداف كثيرة وزمن قليل.
ما يضحكني وسط زحام المخاوف هذا، هو القدر، الذي لا يتأخر هذه الأيام عن تقديم المزيد من الدعم لرئيس الوزراء، فحظ هذا الرجل لا يبدوا عليه أنه قابل للنفاذ، وكلما ضاق خناق الأحداث حوله، جاءه الفرج من النافذة التي لا ينتظره منها، ومنذ تظاهرات 25 شباط وإلى الآن وأنا أحصي الكثير من الوقائع التي تأتي بشكل مفاجئ لتفرج عنه الأزمات، ولا حاجة للتذكير بخطاب عزت الدوري، الذي جاء ليؤكد الاتهامات التي أطلقها هو بحق متظاهري الأنبار، ما جعله قادرا على تأجيج المخاوف الطائفية في أوساط ناخبيه، وهكذا حظي بفرصة كبيرة ليسحب البساط من تحت أقدام القوى الشيعية التي كانت بصدد استثمار الموقف ضده.
اليوم تأتي مجموعة الاغتيالات وأعمال العنف التي تحدث هذه الأيام والتي يبدوا عليها أنها مرتبطة بشكل أو بآخر مع تظاهرات الأنبار، لتصب بصالحه. فمجموعة سياسيي العراقية الذي كانوا ينوون محاصرته بالتظاهرات صاروا خائفين من تطوراتها، أما السياسيين الكرد فيبدوا أنهم سيُجبرون على إعادة ترتيب سلم أولوياتهم، وبدل أن يتحركوا باتجاه إسقاط المالكي، عليهم أن يأخذوا فرصة لمعرفة هوية القوى التي تؤجج الموقف وطبيعة وحجم أهدافها.. أما قوى التحالف الوطني فهي الأخرى مضطرة للتريث قليلاً، فبعد أن كانت بصدد الالتفاف حول الجعفري من أجل تشكيل قوة ضغط تهدف لإضعاف موقف المالكي ودولة القانون داخل صفوفها، صار عليها أن تعود لصف المالكي وتمنحه الوقت والقوة الكافيين لوقفِ زحفٍ تخشى أن يكون أكثر خطراً مما كانت تتوقع.
المشكلة أننا، كشعب، نحتاج لما هو أكثر من الحظ والارتجال، لكن يبدوا أن ليس أمامنا غيرهما، وعلينا والحال هذه أن نستعد لما ستفجره الأحداث بوجوهنا في الأيام المقبلة.