TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > إعادة الاعتبار للهوية الوطنية درءاً للتآمر..الفـرصة المضـيعة لتأسيـس مرحلة ما بعد المحاصصةالطائفية-8

إعادة الاعتبار للهوية الوطنية درءاً للتآمر..الفـرصة المضـيعة لتأسيـس مرحلة ما بعد المحاصصةالطائفية-8

نشر في: 18 يناير, 2013: 08:00 م

-8- كان من المفترض ان تؤسس الانتخابات التشريعية الثانية لمرحلة تحول ديمقراطي، من المحاصصة الطائفية إلى الدولة الوطنية " المدنية " الديمقراطية ، لكن الازمة التي رافقت تشكيل الحكومة، جعلت هَمّ قوى المحاصصة وسقف تطلعاتها ضمان "قسمتها"  في العملية ا

-8-
كان من المفترض ان تؤسس الانتخابات التشريعية الثانية لمرحلة تحول ديمقراطي، من المحاصصة الطائفية إلى الدولة الوطنية " المدنية " الديمقراطية ، لكن الازمة التي رافقت تشكيل الحكومة، جعلت هَمّ قوى المحاصصة وسقف تطلعاتها ضمان "قسمتها"  في العملية السياسية والحفاظ على مواقعها في الدولة المستباحة .
وكشفت الحوارات التي دارت حول طاولة مبادرة أربيل والصراعات التي رافقتها خلف الكواليس، ان الحملات الانتخابية التي نظمتها الكتل الطائفية تحت شعارات نبذ  الطائفية والتنديد بمروجيها وحاملي مشاريعها وأهدافها، لم تكن سوى تضليل انتخابي محض، أُريد منه ذر الرماد في عيون الناخبين وإضفاء إطارٍ مدنيٍ مخادع على بضاعتهم "الطائفية" المستهلكة دون اجراء أية تغييراتٍ هيكلية او برنامجية على أحزابهم ومنظماتهم لكي تنفتح على كل عناصر المجتمع بغض النظر عن الدين او المذهب. واكتفت بتغيير أسمائها وبعض الصياغات والتعابير المدنية في حملاتها الانتخابية، دون ان تولي اهتماماً بيّناً في التطابق بين الإطار الشكلي "المدني"  والمحتوى " غير الديني -الطائفي " المطلوب.
وكلنا نتذكر كيف اشتعلت حُمّى تغيير أسماء الأحزاب والكتل والقوائم الانتخابية، لكي تتجرد من الطابع الديني - المذهبي حتى بدت الحياة السياسية كما لو أنها خلت من اي عنوان او لافتة او اسم ديني او مذهبي في شوارع العراق وحاراته، باستثناء الحزب الاسلامي الذي حافظ على هويته الدينية وانتمائه المذهبي.
واقترنت تلك الحمّى بالاستبيانات الافتراضية التي أظهرت عزوفاً عن الانحيازات والشعارات الطائفية والدينية التي لم ينجح حملتها في تقديم أي منجزٍ خدماتي او امني او سياسي، بل على العكس شهدت تلك الفترة تراجعاً في سائر مرافق الدولة وخدماتها، وتجاوزات فظة على الحريات وحقوق الإنسان، واتساع ظاهرة الفساد الاداري والمالي لتنخر في جسد الدولة وسائر مؤسساتها ومرافقها، مما أدى في المحصلة النهائية إلى خيبة أمل وإحباط من قوى الاسلام السياسي .
لقد ترافق هذا التحول الشكلي من المسميات الدينية والطائفية الى العناوين " الوطنية" مع حالة انقسامات داخلية واعادة اصطفافاتٍ في الكيانات السياسية الشيعية منها والسنية، عكست في واقع الحال صراع مصالح ونوايا سلطوية أكثر منه تمايزت في البرامج والخيارات الوطنية. فالحواضن الطائفية والمذهبية ظلت كما كانت عليه من حيث مضامينها وأهدافها وجمهورها ومحيطها الشعبوي، باستثناء التسميات .!
واستطاعت بعض الكيانات الحزبية المتحولة تطعيم نفسها بكسب عنصر او اكثر من غير طائفتها لتأكيد هويتها العابرة للطوائف، متوخية بذلك استكمال شروطها لخوض الانتخابات ، ببضاعتها الوطنية الجديدة .
 وتميزت على هذا الصعيد كل من "القائمة العراقية" السنية الهوية والتمثيل و"دولة القانون" الشيعية، لتكريس حضورهما ككيانين وطنيين متبرئين من النزوع والشبهة الطائفية والمناطقية، فتحولت كل منهما، دون ارادة ورغبة بعض مؤسسيهما والمنخرطين فيهما بالضرورة الى أداتين للاستقطاب الطائفي وتعميق الانقسام والتمايز في المجتمع وفي الحياة السياسية وتكريس سياسة المحاصصة. واخفقت كل منهما في تحقيق اي قدرٍ من تطلعات قطاعاتٍ واسعة من الناخبين الذين بنوا آمالاً عليهما لاجراء انعطاف في المجرى السياسي يفضي إلى التخفيف من الاحتقان والتخندق ويرسي المفاهيم والقواعد الضامنة لدولة القانون والحريات والمساواة .  
وتبخر التفاؤل الحذر الذي ارتبط بالتحول الشكلي للكيانات السياسية المهيمنة، ورأت فيه قوى مدنية خطوة على طريق صحوة سياسية قد تؤدي إذا ما تطورت الى الارتقاء بالحركة السياسية  ونضوجها ، لتتحول الى حوامل لدولة وطنية ، تتجاوز التشظي الطائفي وويلاتها على العراقيين .
 لكن صدمة ما بعد الانتخابات وأزمة تشكيل الحكومة التي وضعت البلاد في حالة من التوتر والصراع ، تكفّلَتا بتبديد ما برز كإمكانية للتحول الايجابي في المناخ السياسي، والارتقاء بالعملية الديمقراطية الى مستوى يسمح بالمشاركة والتنافس الحضاري يتناسب مع المهام والأهداف التي يتطلع الشعب العراقي المبتلى إلى تحقيق بعضٍ منها على الاقل ، بعد سنوات القحط التي مرت عليه منذ الإطاحة بالدكتاتورية .
لقد كشفت السنوات التي اعقبت الانتخابات الاخيرة والولاية الثانية للمالكي ودولة القانون عن فضائح لا حصر لها على كل الاصعدة السياسية والامنية والاقتصادية ، فازداد الفقراء فقراً  وتدهورت احوال المواطنين من كل الشرائح خدمياً ومعيشياً ، واصبح فضاء العراقيين مفتوحاً امام مزيد من الانتهاكات وتقييد الحريات وتسلل شبح الطائفية ليسود المشهد السياسي ويعمق الانقسام في المجتمع . واصبح الفساد والرشوة ونهب المال العام جزءاً عضوياً من نسيج الدولة، وتفاقمت شدة العمليات والنشاطات الإرهابية .
وبدلاً من تخفيف وطأة الانقسام الطائفي وحدّة الصراع الناجم عنه، شهدت الولاية الثانية للمالكي ودولة القانون مظاهر جديدة للمواجهة أدت الى انزياح ما بقي من الثقة بين الكتل والقوى والمكونات السياسية، ودفعت كل منها الى الاحتماء بحاضناتها التقليدية والعودة الى طوائفها والاستقواء بها وبهوياتها الفرعية. وقد اتسعت دائرة الخصومات والافتراق السياسي جرّاء النهج المغامر والأساليب المعتمدة في ادارة ملفات الأزمات المفتوحة ، بالإضافة الى السياسة الاقصائية ونزعة الانفراد بالسلطة ، واعتماد اساليب تصفية المعارضين وغير الموالين، وتشديد الخصومة مع اقليم كردستان والتلويح باعلان حرب "قومية عربية"  ضد الشعب الكردي، واستهداف المكون السني، واستفزاز الشيعة من غير الموالين.
ان مظهراً خطيراً من مظاهر التعبئة الطائفية برز في الصراع السياسي، تمثل باستخدام  قادة  دولة القانون وأنصارها أسلوب  تسويق المالكي باعتباره الممثل الشرعي للشيعة والمدافع العنيد عن "حكمهم" المهدّد.
وجرى اعتماد هذا الاسلوب في  تعبئة وسائل الاعلام الرسمية والموالية وكل المنابر المتاحة وتحشدات العشائر لادخال هذا المفهوم المخادع في وعي عامة الناس وجعلهم في حالة استنفار دائم من عدو وهمي ، وتناسي مصائبهم الحياتية والأمنية .
وفي اطار هذه المزاعم المختلقة فبركت الماكنة الاعلامية السياسية  على مدار اليوم  تهمة استهداف "الحكم الشيعي" بكل رأي مخالف او مجاهرة بمعارضة نهج المالكي، او التعبير عن عدم رضا او ارتياح من إدارته لمرافق الدولة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية ومخالفاته للدستور، وتوصيف هذه المعارضة بكل تجلياتها كتآمٍر مُمَوَّلٍ من الخارج ومدعوم من البعثيين والإرهابيين. ولم تتردد حاشية رئيس دولة القانون عن توظيف بعض الالتباسات وسوء التصرف من عناصر معارضة في كيفية مواجهة المظالم التي تتعرض لها، في تكريس صورة المالكي كمختار ومنقذٍ للطائفة  واعتبار أي استهدافٍ شخصي له، كاعترافٍ من "العدو" أي ، كل الآخرين باستثناء دولة القانون والحاشية الملتفتة حول المالكي بهذا التمثيل  وما يجسده من قوة ردعٍ في مواجهة التآمر .!
 ولا يتورع الدعاة الناطقون باسم المالكي وحاشيته في إظهار كل ما يجري من تداعيات سلبية وفشل كانعكاس مباشر للتآمر الذي تخطط له وتنفذه المعارضة، وبفعل هذا المخطط  وفي اطاره وليس كنتيجة للنهج المغامر، يمكن فهم  الارتكابات الواسعة بحق المواطنين، والقصور الناجم عن الإخفاقات في مرافق الدولة الخدمية،  والعجز في الحد من استشراء ظاهرة البطالة بين الخريجين والشباب، والطوفان المطري الذي اغرق بغداد والعديد من المحافظات نتيجة انعدام مجاري الصرف الصحي، والفساد والنهب المنظم للدولة وثرواتها، وتعطل مشاريع التنمية والإعمار والخدمات. وقد تم ترحيل كل هذا وإبرازه كعمل تآمري قصدي للمعارضة ونشاطها الهادف " لتقويض حكم الشيعة" التي يمثلها المالكي، حامي الحمى الذي يُراد من هذا إظهاره  بمظهر العاجز عن الحكم وادارة الدولة والحؤول دون تجديد ولاية ثالثة او حتى عاشرة له، ولربما، من يدري، التمهيد لشرعنة توريثه لمن يتأهل منذ الآن في مكتبه وتحت إشرافه المباشر  ..!
 وفي سياق هذه الاقاويل والدعاوى التي  تسوقها دولة القانون ودعاتها جرى و يجري بامعان متعمد طمس مواقف المرجعية العليا المعارضة والرافضة للسياسات المنتهجة، والتخفيف من أثر النقد القاسي واللاذع الذي تتضمنها كلمات خطباء الجمعة، ممثلي المرجعية، من على منابر مسجدي كربلاء والنجف التي تسلط الضوء على مفاسد الحكم وتجاوزاته، ويلتزم رهط دولة القانون جانب الصمت، أن لم يكن التشويه، ازاء رفض سماحة آية الله العظمى السيد  السيستاني استقبال المالكي وكل رموز الطبقة السياسية الحاكمة والتعامل معهم، كتعبير صارخ عن الاحتجاج والتقاطع  مع ما يقومون به ويمارسونه من نهج ضار وسياسات خاطئة بالضد من مصالح العراقيين وتطلعاتهم، ومن انتهاكاتٍ ومظالم يتعرضون لها، من كل الطوائف والمكونات على السواء .
وفي محاولة يائسة أخيرة لم يجد المالكي، في متناوله ، سياسياً، سوى  حل البرلمان الذي " يتيحه غياب رئيس الجمهورية " وفقاً لحساباته ومشورة "فقهاء" القانون في مكتبه، وبذلك يستطيع الانفراد بالسلطة "والقبض" على الدولة، والتخلص من القيادات " الجاحدة " بحقه ، وترتيب الأوضاع بما يمكّنه على التسيّد الى اجل غير مسمى .! ولا فرق آنذاك بين تشكيل حكومة أغلبية سياسية او تصريف أعمال  او فريق رئاسي  بمقاسه الشخصي، وان اقتضى ذلك اتخاذ "اجراءات غير مسبوقة " في الاعراف السائدة حتى وان أضطُر لاعلان قانون الطوارئ والأحكام العرفية . !
 ان مجرد التفكير بحل البرلمان، مع افتراض شرعية الاجراء بوجود رئيس الجمهورية، وهو غير ذلك دون شك، لا يعكس إلا مسَّاً سياسياً ولا يعبر سوى عن العجز والفشل السياسي، ويعكس استعداداً جنونياً للمغامرة بكل ما أمكن الحفاظ عليه، من دولة ناقصة البنيان، وعملية سياسية متعثرة، واستقرارٍ هش، وحدودٍ مفتوحة للتسلل وعدم اعترافٍ صارخ بالدستور والشرعية الديمقراطية. وهذا التفكير، بكل المقاييس، انما هو تهديد للمصالح الوطنية العليا وتعريض لسيادة الوطن وأمنه واستقراره .
ولكن هذا المنحى في التفكير، والأسلوب في إدارة الدولة، يؤشران إلى استعدادٍ متهور لولوج خياراتٍ "غير مسبوقة"، ابعد بكثير مما يتبادر إلى الذهن، لا جامع لها بسياقات العملية الديمقراطية وأحكام الدستور. ويمكن الاستدلال على هذا الاستنتاج من استرجاع متأنٍ لعناصر المشهد السياسي الذي ساد العراق خلال الفترة الماضية، وما تراكم فيها من أزمات متتالية تقود الواحدة منها الى الأخرى، وتظل كلها عصيّة على الحل تزداد تفاقماً لتستثير الصراع  والأحقاد بين مختلف الأطراف والمكونات، دون استثناء الأجنحة الشيعية غير القابلة للتطويع .
هل يمكن لهذا المنحى من التفكير المختل ان يقود في لحظة يأس الى المراهنة على خيار تقسيم العراق .؟
وهل يجد له مكاناً يلوذ به في سياق " منطقه الداخلي " مادام همه المطلق يتلخص في الحفاظ على كرسي الحكم بأي وسيلة ، وبأي سلاح ، ومهما كانت النتائج ..؟
وهل لجنون السلطة وهوس كرسي الحكم عبر شواهد التاريخ من منطق ..
في حُمّى هذا الصراع المحتدم على تقاسم السلطة والقبض على الدولة باي وسيلة، كم هو  متاحٌ من فرص التأسيس  لمرحلة ما بعد نهج المحاصصة الطائفية ومفاسدها، ومن شروط موضوعية وذاتية لبلورة المفاهيم والقيم والمبادئ لصياغة منطلقاتها الفكرية والسياسية القادرة على تحقيق خرقٍ ضاغط نحو فضاءات الدولة المدنية الديمقراطية ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram