لا يستقر بلد ينجو فيه السارق بمساعدة القانون وقوته، كتبت هذه العبارة وأنا ارى المتهمين بصفقة الأسلحة الروسية وهم يبتسمون من على شاشات الفضائيات، فيما العدالة حتى هذه اللحظة لم تتحرك، ولم تر فيهم سراقا ولا مجموعة انتهازيين يستغلون مناصبهم في السحت الحرام.. وهذا يعنى أن هناك من منع وسعى وصمم من اجل ان لاتصل الحقيقة الى اروقة القضاء، وهناك من أصبح سدا منيعا بوجه فتح ملفات الفاسدين والمفسدين، وهناك من أراد لها ان تبقى جريمة عائمة يتحدثون عنها في البرلمان ومن على الفضائيات، ولكن لا وجود لها في سجلات المحاكم، جريمة ارتكبت ولم يخرج رئيس الوزراء من اجلها ليرسل قواته الذهبية لاعتقال المشتبه بهم، ورغم أن الجريمة لم تحدث في الظلام.. وإنما أمام سمع العراقيين وأبصارهم.
في كل حديث عن القانون والدستور نجد رئيس الوزراء يتحدث عن ضرورة الاحتكام للقضاء، فيما نرى أفعاله على الأرض فنضرب كفاً بكف، ويريد منا المقربين من ولي النعم أن ننسى انه لا يزال يلوح بسيف القضاء في مواجهة الاخرين.. فيما نراه في قضية الأسلحة الروسية يسعى لأن يضع القانون في احد ادراج مكتبه ويغلق عليه بالمفتاح لان الأمر يتعلق بالمقربين والاحباب.
ما حدث في صفقة الاسلحة الروسية درس لنا جميعا لكي لا نأمل بإصلاحات ديمقراطية، ولا قوانين تصب في مصلحة الناس، طالما ان البعض مصر على أن نبقى نعيش زمن القبضة الحديدية.. هذه القبضة التي ترى في عالم ومفكر بحجم مظهر محمد صالح مجرما، بينما ترى في المقربين من الحاكم ملائكة يحلقون باجنحة بيضاء، وجوههم سمحة لا يأتيهم الباطل من خلفهم ولا من امامهم.. ولهذا كان لابد ان توجه الحكومة مدافعها ضد خبراء البنك المركزي.
لا نناقش هنا صحة الاتهام الذي وجهته الحكومة للبنك المركزي من عدمه، فقط أنا أتحدث عن المنهج والطريقة التي تعامل بها مقربو المالكي مع سنان الشبيبي ونائبة مظهر محمد صالح، فالقرار الذي اتخذ باعتقال مظهر محمد صالح دون ان يسمح له بتوضيح وجهة نظرة او ان يقدم ادلة براءته، يؤكد بالدليل القاطع إننا نعود وبقوة الى أجواء ما قبل 2003، حيث يعاود مؤشر التفرد بالسلطة إلى الارتفاع، من خلال إغراق الناس في خطب متحذلقة، فاقدة للمعنى والثقة، خطب وقرارات تجعل المواطن يشعر بالأسى وهو يرى إصرار مسؤولي الدولة الكبار على إفراغ البلد من أصحاب الكفاءات والخبرة، وحيث يجد مظهر محمد صالح وأمثاله أنهم في مواجهة سياسيين يكرهون أوطانهم.. في الدول التي تحترم إرادة مواطنيها نجد مؤسسات الدولة تكرم علماءها ومبدعيها من خلال الحفاظ عليهم باعتبارهم عملاتٍ نادرة الوجود، فيما نمارس نحن سياسة الجدل السياسي الفارغ الذي يفسح المجال للمحسوبية والمزاجية في الإدارة والتي تهدم أكثر ممّا تبني..
لم يثبت حتى الآن أن مظهر محمد صالح وقبله الشبيبي قد شكلا تهديدا للأمن الوطني حتى يقرر أشاوس دولة القانون ومواقعهم الالكترونية شن حملة افتراءات ضدهم، لكن المؤكد بالصورة والصوت، أن الفاسدين الذين يتستر عليهم المالكي أهلكوا البلد وشكلوا ويشكلون اخطر تهديد ضد أمن الوطن والمواطنين، لا يقل خطورة عن تهديد الجماعات الإرهابية، ففي ظل انهيار تام لمقاومة الحكومة بكل أجهزتها ضد فيروس الفساد، وصل الحال بنا الى أن نصبح في طليعة البلاد الأكثر فسادا ونهبا للمال العام.
لعل قمة التناقض والازدواجية، ان نجيش الجيوش ضد عالم وخبير اقتصادي كبير لمجرد أنه عمل ومعه اساتذة كبار على ابعاد البنك المركزي عن حظيرة الحكومة، ونضع رؤوسنا في الرمال ونحن نرى ثروات البلاد تنهب.. وخيراته تسرق وسط خطب ثورية عن الاصلاح والدستور والقضاء يلقيها علينا المالكي ومقربوه صباح كل يوم.
لقد بات واضحا ان من لديه القدرة على ان يتلاعب بالقانون.. ويحرك الملفات مثلما يشاء، يحق له بالتأكيد ان يرمي مظهر محمد صالح ومعه كل خبراء البلد في اقرب مركز شرطة .
وأخيرا كل ما نتمناه من السيد المالكي أن يكون أكثر وضوحا وشجاعة في قراراته وتوجهاته، وعليه ان يخبرنا بكل صراحة لماذا يعتقل مظهر محمد صالح.. بينما حيتان الفساد ينامون في حضن الحكومة ؟
لماذا مظهر محمد صالح؟
[post-views]
نشر في: 18 يناير, 2013: 08:00 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 3
Omar Al Qadhi
أن نمط التفكير الذي افضى الى اصدار امر القبض بحق الدكتور سنان الشبيبي واعتقال الدكتور مظهر محمد صالح تاركاً المتهمون الحقيقيون ينعمون بالحرية هو امتداد لذات النمط من التفكير الذي ساد وعلى مدى عقود في العمل على اجهاض كل من هو وطني ومخلص للعراق .. فالتهم جا
نوار الحسيني
قيل في حكمة ( ان غلبتني مره فذلك خطاؤك وان غلبتني ثانية فذلك خطأي ) واعلم اذا من هو المخطي الحقيقي
واحد
للمالكي حصة بصفقة السلاح الروسية توسيع التحقيقات فيها يجرجره فكيف لا يغلقها.