(2-2)النساء ابتُلين بإرث مميت مما حمله التاريخ إلى العصر. أي إنهن سليلات أولئك النسوة اللواتي خضعن لقوانين وتشريعات موغلة في ذكوريتها. تشريعات تصل حد اللامعقول احياناً. احتراف الوعظ أسهم في تحريف النصوص أحياناً فوصل التحريم حدّاً ان على المرأة عدم ال
(2-2)
النساء ابتُلين بإرث مميت مما حمله التاريخ إلى العصر. أي إنهن سليلات أولئك النسوة اللواتي خضعن لقوانين وتشريعات موغلة في ذكوريتها. تشريعات تصل حد اللامعقول احياناً. احتراف الوعظ أسهم في تحريف النصوص أحياناً فوصل التحريم حدّاً ان على المرأة عدم التقرب من الرجل. وفرض عليها العزلة عنه ولقد حرّم اللمس والذوق والشم والصوت / الغناء او الرد على طارق الباب ...،،
كما أكد بعض الفقهاء على النساء "بأن يخرجن غير متطيبات إذا دعت الحاجة لخروجهن" وهم بهذا يتناسون، غير ناسين، الحديث النبوي
"حُببّت إليَّ من دنياكم ثلاث: النساء والطيب وقرة عيني الصلاة" ..،، (صوفية السحيري / الجسد والمجتمع)..
في هذا كما هو واضح، نمط من النزوع الاستملاكي أو الاستحواذي على الثروة / أو على قيمة المرأة الجمالية أو الاجتماعية فزاد المنع أو زاد الاستحواذ " فجعلوا المنع والحجْب والإخفاء يقع على الحرائر أكثر مما على الإماء" وعلى الجميلات أكثر مما على سواهن. وهذا يظهر أن المسألة ليست مبدئية قدر ما هي شخصية نفعية.
ثم أن هذا التشريع أو افتعاله ، لا يعتمد حقائق او مواد شرعية، هي اجتهادية مزاجية في الغالب. إي إنها انتفاعية شخصية. هو منع واسع مبالغ فيه. يذكر "جواد علي" رحمه الله، لما ضُرِب الحجاب على نساء الرسول، كانت الشرائف من النساء يقعدن للرجال للحديث. ولم يكن النظر من بعضهم لبعضهم الآخر عاراً في الجاهلية ولا حراماً في الإسلام ..،، ( المفصل في تاريخ العرب والإسلام ص317 ).
والمؤسف أن الكتابيات يتحجبن ويلبسن لباس المسلمات المحكومات بذلك الغلو لكي يظهرن إنهن من الطبقة الاجتماعية المحترمة، كما تقول الكتب، ولكي يسلمن مما يقع على بنات الطبقات الدنيا او المكروهة، كما اقول . نحن طبعاً لا ننتظر خيراً أو لطفاً إنسانياً في التعامل، من ناس تعاملوا مع نصوص دينهم بما اضر بالنصوص المقدسة جرّاء تطبيقات لم يقل بها النص. وهذا المجتمع وريث جهالة أولى وجهالة ثانية بسبب بعده عن مصدر التشريع. كانوا من قبل يؤدون البنات ثم صاروا يزدرون نسويتهن ، بل يرون الموت ستراً لعيوبهن . ورد في عيون الأخبار " ان رجلاً عزّى عبد الله بن طاهر عن موت ابنته فقال:
أيها الأمير مما تجزع ؟
الموت أكرم نزّالٍ على الحرِم "
خضوع الكتابيات لقوانين وتشريعات مجتمع يدين بغير دينهن ضاعف متاعب المرأة الكتابية في زماننا – بسبب زيادة الوعي والمقارنة مع ما يشهدنه في العالم من حرية في السلوك والمعتقد. ومع أن كل الأديان لا تقر بعزل المرأة ودونيتها، إلا أن الواقع العملي يشهد ذلك ، ويقره !
أظن هذا المدخل يمهد للكتابة عن أشعار شاعرتنا العراقية المغتربة دنيا ميخائيل ، وسنرى التمزقات الأنثوية والوجع المضمر في شعر يكتب تحت سلطة ذكورية متخلفة وتشريعات مفروضة. نحن نعلم ان تاريخ العراق شهد في بعض مراحله إيذاءً اجتماعياً قاسياً للكتابيات . فاليهوديات كن في زمن منه يلبسن عباءات مخططة ليُمَيزَّنَ عن المسلمات. وإذ زال هذا عن الأسر الكتابية الثرية والوجيهة، أو المتنفذة، فخضوعهن للأحكام الاجتماعية، قوانين وتشريعات، كان أمراً مسلّماً به. من غير مراعاة بان لهن سماحة في دينهن تبعدهن عن ذلك.
المسألة، بالنسبة إلى الأنثوية الحديثة، كحركة عالمية، والتي نتحدث عنها، إن نظام العزل والتحكم الذي تمارسه قوى المجتمع السلطوي البطرياركي، أفقدت الجسد مرونته، بل قتلت عفوية الحياة وتلقائية انسجامه واستجابته. انه خوفهم من حرية الجسد الذي ينتج الخوف من حرية الفكر، وهنا المشكلة! هي مشكلة تعرّض النظام الاجتماعي لما يطيح به . فحرية المرأة في الحركة الأنثوية اتخذ العمل لتحقيقها طريق النضال السياسي، لأنها أولاً لا تملك طريق تغيير حاسم آخر، ثانياً أن حرية المرأة وحقوقها لكي تتحقق ، يتطلبان تغيير أنظمة وقوانين ، فلا بد أن تتخذ طابعاً سياسياً أيضاً!
إن حركة نسوية بطروحات وأفكار أنثوية ثورية حديثة، وتحت راية أنثوية يسندها فكر سياسي وفلسفات اجتماعية تطالب بالتغيير ... هي أول انعطافة مهمة في التاريخ لصالح الأنثوية الحديثة وضد الذكورية وأنظمتها القديمة. والامتياز العظيم لهذه الحركة انها لا تشترط مواصفات غير فكرية لمن تنضمّ لتظاهراتها بأي دين دانت ولأي طبقة انتمت. هي حركة واسعة تجمع كل الأطياف النسوية تعمل لتحقيق أهدافها التحررية المعلنة، يساندها مفكرون ومناضلون سياسيون ورجال أدب وفنانون كبار واسماء محترمة من رجال الدين . هذه الحركة الانثوية – النسوية بعامةٍ بسبب اتساعها وحداثة أفكارها، مُعوَّل عليها اليوم اكثر من اي حزب سياسي في تحرير الإنسانية كلها. وذلك من خلال سعيها لقوانين وأنظمة إنسانية تتناسب والتقدم الحضاري العظيم الذي أنجزته وتنجزه البشرية المناضلة في حقول الحياة كلها ...