بعد أن أمضى أكثر من 25 عاما في منفاه ، عاد الرسام باء ميم إلى وطنه في مطلع عام 2006 ليلتقي أهله بعد فراق طويل ، وما أن وصل إلى المطار بغداد مساء ليتوجه منه إلى محل سكناه في حي الدورة بجانب الكرخ واجه صعوبة في إقناع أحد سواق سيارات الأجرة للذهاب إلى منطقة كانت تحت سيطرة جماعات مسلحة ، استوعب الصدمة الأولى بالاستعانة بهاتف سائق وباتصال هاتفي شقيقه الأكبر تبين أن أسرته ونتيجة التهجير انتقلت إلى حي البياع ، وبحصوله على رقم المحلة والزقاق والدار ، نقله السائق صاحب الهاتف لقاء مبلغ 50 دولاراً ، يعادل أكثر من الأجرة التي طلبها وهي 50 ألف دينار .
الصفحة الأولى من رحلة العودة انتهت ، على أمل أن يكون في اليوم الثاني قد استعاد نشاطه وحيويته لينفذ برنامجه بزيارة أكاديمية الفنون الجميلة صباحا، والقيام بجولة حرة للتعرف على معالم بغداد ، وأماكن أخرى كانت بالنسبة له شاهدا على نشاطه الفني ومغامراته ، وعندما يحل المساء يتوجه إلى جمعية التشكيليين العراقيين في حي المنصور ، عسى أن يلتقي زملاء الدراسة ليشرب معهم نخب البقاء على قيد الحياة .
تمنيات الرسام "باء ميم " واجهت قائمة طويلة من الممنوعات ، ونصائح والدته المصابة بأكثر من مرض مزمن ، وأمام التوسلات والتحذيرات ، شطب على فقرات برنامجه ، وتفرغ لاستقبال الأقارب ، والاستماع لأحاديث "مفخخة" تتناول الاحتقان الطائفي والتهجير القسري ، والقتل اليومي المجاني ، جعلته يدرك بأن زيارته وطنه جاءت في وقت غير مناسب ، فانتابه شعور بالخيبة ، وبعد أسبوع من الإقامة الجبرية في المنزل ، طلب من شقيقه أن يحجز له تذكرة سفر إلى عمان في أقرب رحلة ممكنة ، وفي لحظات توديع أسرته أخبرهم بأنه سيعود إلى هولندا بكنية جديدة هي أبو خيبة .
في المدينة أقام أبو خيبة معرضا لتخطيطاته بعنوان "وجوه من الجحيم العراقي" فأثار المعرض تساؤلات الجمهور حول حقيقة وجود جحيم في بلد يمتلك ثروة نفطية هائلة ، الرسام سامحه الله أرعب جمهور معرضه ، وربما جعلهم ينامون مبكرين من دون تناول العشاء وتبادل الأنخاب في تلك الليلة" الكشرة" عندما نقل مقطعا صغيرا من الجحيم العراقي إلى أبناء قوم اعتادوا الدفاع عن حقوق الحشرات .
في رسالة إلكترونية بعثها الرسام أبو خيبة إلى شقيقه الأكبر اخبره أن مسؤولي دائرة البلدية في مدينته وفروا له فرصة الدخول لمصح مخصص لمعالجة الاضطراب النفسي وتحمل كامل النفقات ، لمساعدته على تجاوز أزمته النفسية ، ليستعيد قدرته السابقة في رسم لوحات تعبر عن البهجة والفرح ، والتركيز على تناول مواضيع تجسد الجوانب الجمالية في الحياة لغرض الابتعاد عن إثارة الحزن والأسى لدى الجمهور الهولندي.
الرسام باء ميم اختتم رسالته لشقيقه بموافقته على دخول المصح ، ليتخلص من عذاب إقامة أسبوع واحد في العراق عاد منه بكنية " أبو خيبة " ليتفرغ بعد ذلك لكتابة مذكراته وينشرها بكتاب يضم تخطيطاته ، ليوزع في المنطقة العربية حصرا لأن سكانها على استعداد للاطلاع على أي جحيم .
تخطيطات " أبو خيبة"
[post-views]
نشر في: 19 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 1
نوار الحسيني
حقيقة المني جدا قرائة المقال الذي يترجم وبايجاز جدا ساخر جدا الماساة الذي يعانيه الشعب