ان بقاء الدكتور مظهر محمد صالح نائب رئيس البنك المركزي، في الحبس في ظل ظروف لا انسانية، يعني فيما يعنيه ان اجهزة الدولة ورئيس الحكومة الذي "صال" على كل مؤسسات المال واستولى عليها، لا يعنيهم اي اعتراض وأي نداء يسمعونه من المجتمع المدني او الصحافة او عقلاء البلاد.
لقد بحت اصوات النخبة من الصراخ بضرورة النظر في قضية الدكتور صالح، لكن الدولة التي استولت عليها الحكومة، لا تزال تضعه رهن الحبس في زنزان رطب مع معتقلين اخرين ربما كان بينهم المجرم والمتهم بجنحة وجناية، بلا اي توضيح.
وقد تكفل بيان صدر البارحة بوصف جملة خروقات قانونية تضمنتها عملية اعتقاله ووصف حالته الصحية المتردية، لكن هذه تظل امورا "عادية" في بلد لا قانون فيه الا ما اشتهى السلطان واراد.
والقاعدة الوحيدة التي تعمل في العراق هي انك تحصل على الحصانة حين يكون لديك حزب قوي شرس بجناح مسلح، او عشيرة نافذة معروفة بحبها لكل "الطلايب" كي تحظى بمعاملة محترمة. اما مظهر محمد صالح الذي عرفناه منذ سنوات طويلة، خبيرا مهذبا ومحترفا، دون ان نعرف هل هو سني ام شيعي، ولصالح من يمنح صوته في الانتخابات، فهو يقبع في سجن قد يطول دون توضيح من الجهات الرسمية، لانه باختصار لم يطلب الحماية من حزب ولا عرف عنه انتماء لعشيرة قد تقف معه او لا تقف، في هذا الزمن الاسود.
ان المجتمع المدني الذي يهب اليوم لنجدة الدكتور مظهر عليه ان يتحول هو الى شيء يعوض الحزب والعشيرة كي يقدم آليات اكثر عملية في حماية الكفاءات والخبرات النادرة التي ينتمي الى نوعها الدكتور مظهر.
ويفترض ان تكون السنوات التي مرت بصعوبة، قد علمتنا الكثير في هذا الاطار، الا ان الناشطين مع القوى المدنية هذه وانا من بينهم، يتأخرون ويترددون "ويرجئون" كثيرا في كثير من الاحيان، على مستوى تحمل المسؤولية. ان البيان المهم الذي وقعنا عليه يوم امس وامس الاول كان يفترض اصداره قبل شهر او 20 يوما، كما ان التظاهرة التي ننوي الخروج فيها كان يفترض ان تنظم قبل اسبوعين.
والدوافع المثبطة التي تجعلنا نتأخر ونتردد هي خليط من اليأس وتكاثر الازمات التي "دوخت" العقول والقلوب، الى جانب انشغال جزء واسع من نخبتنا، بالتلاعن طائفيا وحفر الخنادق العرقية، مع صنف آخر من المثقفين بدأ يصوغ نظرية للعزلة او البقاء في اعلى التل تجنبا لشر السلطان او تحت شعار ان المعركة ليست معركتنا لان الطرفين سيئان "وكلاهما في النار" وهو رأي يشبه عزلة الخوارج وبعض المرجئة او "المؤجلة"!
والمشكلة الاخرى ان خصومنا متفرغون للمعركة يسخرون فيها امكانات الدولة، بينما ننهمك نحن في اعمالنا ونلاحق ابو المولدة وابو السايبا بامكاناتنا البسيطة ووسط كل انواع الحصار والقيود المفروضة علينا، وفي الوقت نفسه نضطر لننشط كي نمنع اصدار قانون جرائم المعلوماتية الذي يراد له ان يتحكم بالانترنت، ونمنع اعتقال مظهر صالح، وندين طرد سنان الشبيبي ورحيم العكيلي، ونكافح لرفع الحظر عن قناة البغدادية، ونمنع "احراق الرايخ" على يد السلطان.. ونحذر من ايقاع الفتن الطائفية عبر اختلاق الكذبات السوداء، وندين وصف المتظاهرين بالفقاعات.. الخ، ولولا الفيسبوك لما امكننا ان ندير هذه المعارك بالحد الادنى من المطلوب فعله.
ان الناشطين اليوم بلا حزب ولا عشيرة، وعليهم ان يسدوا فراغ المعارضة السياسية، وفراغ الصحافة الرصينة، وفراغ المجتمع المدني الذي ظل اغلبية صامتة او اغلبية خائفة من السلطان او مترددة على طريقة بعض الخوارج و"المرجئة" و"المؤجلة".. وهذا نزال تمتد فيه الساحات على طول الوطن وعرضه.
العمل كثير، وقد صمتنا او نسينا او تعبنا، في احيان كثيرة طيلة اعوام، والنتيجة "تفرعن" يتزايد من جهة السلطان. لكننا في الوقت نفسه نجحنا اكثر من مرة في عدة ملفات، وهذا يسقط نظرية "الوقوف على التل" ويجعل "مرجئة" هذا الزمان في موقف حرج، وتصريحاتهم التبريرية المتعالية بلا معنى.