مسرح الجريمة يقصد به المكان أو مجموع الأماكن التي شهدت مراحل تنفيذ الجريمة، ويحتوي على الآثار المتخلفة عند ارتكابها، ويعتبر ملحقاً لمسرح الجريمة كل مكان شهد مرحلة من مراحلها المختلفة. ومن الأقوال المتعارف عليها لدى عموم العاملين في البحث الجنائي تفيد بأن (مسرح الجريمة هو مستودع سرها) وهو قول على بساطته بالغ الدلالة والصحة. وتبرز الأهمية القصوى لمعاينة مسرح الجريمة كحجر زاوية ينطلق منها مخطط البحث في أي جريمة، إذ إنها أفضل الطرق للوصول إلى إثبات أو نفي وقوع الفعل الإجرامي وكيفية وقوعه ومدى علاقة المتهم بالجريمة وظروفها.
باعتبار أن مسرح الجريمة هو المكان الحقيقي والفعلي الذي اقتحمه فاعل الجريمة، وبالتالي فهو المكان الذي مكث فيه الفاعل أو الفاعلون فترة من الوقت قد تطول أو تقصر مكنتهم من ارتكاب الجريمة مخلفين وراءهم آثاراً قد تدل عليهم وعلى هويتهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والحقيقة انه من النادر أن يتمكن الجناة من إخفاء كل أثر لهم بمسرح الجريمة.
ويخضع مسرح الجريمة والأماكن الأخرى المحيطة به والتي مكث فيها الجناة قبل ارتكاب الجريمة أو بعدها لمعاينة دقيقة هدفها تحديد الآثار المتخلفة عن الجناة والتي يمكن أن تدل عليهم. فمن خلال المعاينة الدقيقة لمسرح الجريمة يمكن تحديد ما إذا كانت الجريمة لم تقع أصلاً، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ان اثبات وقوع جريمة من العناصر القانونية التي يجب إثباتها في محضر التحقيق، والمعاينة تثبت صحة الاخبار الجنائي أو عدمه من خلال فحص مسرح الجريمة والتعرف إلى الأسلوب الإجرامي الذي استعمله الجاني لتنفيذ جريمته عند اقتحامه له ومظاهر العنف وما يتخلف عنها، فإذا استخدم الجاني العنف من الداخل وإذا شوهدت الآثار بالخارج دلّ ذلك على أن الجريمة مفتعلة وأن المبلِّغ حطم المنفذ للإيهام بأن الجريمة قد وقعت من قبل الجاني.
وبما أن مسرح الجريمة يحتوي على الأدلة المادية التي خلفها الجناة فترة تواجدهم بها، تعد تلك الآثار من أقوى القرائن التي يمكن بها إسناد جريمة معينة لشخص محدد، وقد عرَّف رجال القانون القرينة القضائية بأنها استنتاج لواقعة مجهولة من واقعة معلومة وأهمها بصمات الأصابع وبصمات الأقدام العادية وآثار الدماء للجاني أو الجناة أو أي أنسجة بشرية لأي منهم، وقد تقدم العلم في السنوات الأخيرة بحيث يمكن إسناد أي أثر من تلك الآثار لشخص معين على سبيل القطع وليس الترجيح كما كان عليه العمل الماضي، وأطلق على تلك الاختبارات (البصمة الجينية) و (بصمة الحمض النووي) DNA.
يعتبر مسرح الجريمة المرآة الحقيقية التي شهدت وقائع الجريمة ومراحل ارتكابها بشكل يساعد المحقق الجنائي على إمكان تحديد شخصية الجناة؛ وبالتالي متابعتهم والاستهداء إليهم، ولعل ذلك يفضي بمسرح الجريمة إلى ذلك القدر من الأهمية التي تزداد يوماً بعد يوم خصوصاً مع تزايد قدر الكشف العلمي، وتوظيف العديد من الوسائل العلمية التي يمكن أن يستفيد منها المحقق الجنائي في ذلك المسرح لكشف ما فيه من حقائق وآثار قد لا تتيسر رؤيتها بالعين المجردة .