اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > دفتر الديون كابـوس يقلـق جيـوب العراقييـن.. والحاجة ام الأختـراع

دفتر الديون كابـوس يقلـق جيـوب العراقييـن.. والحاجة ام الأختـراع

نشر في: 20 يناير, 2013: 08:00 م

تفتقد أغلب الأسر العراقية حاجات أساسية وضرورية لا يمكنها أن توفرها لضيق ذات اليد، فتضطر للجوء إلى محال تجارية تخصصت بالبيع في الدين بحيث أضحت هذه الأسر أسيرة دفتر ديون يستنزف مواردها الشحيحة في النهار ويقلقها في الليل. الحاج علاء صاحب محل يرى أن الت

تفتقد أغلب الأسر العراقية حاجات أساسية وضرورية لا يمكنها أن توفرها لضيق ذات اليد، فتضطر للجوء إلى محال تجارية تخصصت بالبيع في الدين بحيث أضحت هذه الأسر أسيرة دفتر ديون يستنزف مواردها الشحيحة في النهار ويقلقها في الليل.

الحاج علاء صاحب محل يرى أن التعامل بالدين هو تسهيل أمر، وانه لا يقتصر على فئة معينة في المجتمع، فتجد عائلة مكونة من خمسة أفراد قد وصل دينها المتراكم إلى أكثر من 500 ألف دينار، ولا ينتهي هذا الرقم ابداً فهم يسدون جزءاً من الدين ثم يعودون ويسحبون.. دائرة مغلقة تجعلهم لا يستغنون عن البقالة والدفتر وتؤمن لصاحب البقالة استمراريته فلا تشكل له المحال التجارية تهديدا على عمله البسيط. ويضيف الحاج بأنني قمت برفع شعار "ممنوع الدين" لفترة مؤقتة لأناس قصروا في دفع الديون، وعند استرجاع ديوني منهم، أزيل الشعار ولا أتعامل بالدين معهم. فليس هناك من يثبت حقي سوى الثقة.

"الدين ممنوع"

"اداينه يفرح .. اداعي يزعل.. اعوفه ينام"، "لا دين ولا بعدين ولا هسه اجيك"، "الدين ممنوع والعتب مرفوع والرزق على الله"، "اليوم البيع بالنقد وغدا بالدين"... شعارات كثيرة بعضها طريف وبعضها كشف لأستار المرء.. بعضهم ألِفَ الدين فلم يعد يشعر بالحرج أمام دائنه، رغم أن الغالبية منهم أثقلت تلك الديون أنفسهم بالهموم، ودخلوا في دوامة لا تنتهي من الحلول المؤقتة، فكلما خرجوا من حفرة، جرفتهم أخرى ليظلوا قابعين بين فكي الرحى تطحنهم بلا رحمة حتى أصبحت أيامهم كالدقيق تذره الرياح.

دفتر الدَين من الثقافات الرائجة في مجتمعنا وأصبحت أنواعه وطرقه وأساليبه لا تعد ولا تحصى، ولم يقتصر وجود دفتر الدين على حاجة الناس له، ولكن تعدى إلى عادة يمارسها اغلب الناس لشراء ما لا حاجة بهم إليه.. بعضهم اتخذه وسيلة من وسائل الاحتيال والاستغلال،  ولعل دفتر الدين وحاجة أصحاب المحال له هو ما يُبقي بعض البقالات الصغيرة عنصراً حيوياً إلى الآن على الرغم من طغيان المحال التجارية الضخمة وبضاعتها وعروضها المميزة.

(المدى) قامت بجولة بين المتعاملين بالدين للوقوف على خفايا عالم التعامل بالدين والتعرف على تأثيره في العائلة سلباً أم إيجاباً ودوره في تحريك عملية كساد البضائع والشراء في الأسواق.

تقول أم آمنة لـ(المدى) إن تعاملها بالدين هو للحاجة، لا سيما أن زوجها موظف ودخله محدود وهي ربة منزل. وتؤكد أن معظم أصحاب المحال هم من يطالبون الزبون بالأخذ بالدين بسبب كساد البضائع وارتفاع الأسعار، فالظروف المعيشية تدفع الناس للتوجه للديون، في توفير كساء حاجياتها العديدة والمتنوعة خاصة في مواسم الأعياد والمدارس وغيرها، فهذه الأمور وحدها تحتاج إلى ميزانية خاصة .

ولا يقتصر أمر الدين على ربات المنازل فقط ولكن الموظفات أيضا يلجأن إليه. تقول مروة وهي موظفة في وزارة الاتصالات، حيث أن راتبي لا يتجاوز 250 ألف دينار لأني موظفة بعقد مؤقت وحاجاتي ومتطلباتي كثيرة، فاضطر للتعامل مع أصحاب المحال (العرف) فادفع نصف قيمة مشترياتي، والنصف الآخر بالاتفاق مع صاحب المحال على الشهر القادم، وأنا بذلك أوزع الراتب على اكبر قدر ممن من الحاجات والمقتنيات المنزلية، فراتبي كما ترين ضئيل جدا بالنسبة لغلاء الأسعار .

ويرى أبو رانية وهو صاحب محال غذائية، بان محاله لا تخلو من دفاتر الدين، يتعامل فيه مع ما يقرب من (30 ـ 40) شخصا يتعاملون معه بالآجل، ولديه دفتر يومي يكون تسديده بصورة يومية من قبل أصحاب المحال والمطاعم ممن يتعاملون معه بالدين، أما بالنسبة للموظفين فأنه يتعامل بتسديد الديون بصورة شهرية عند استلام الرواتب. وعلى الرغم من المشاكل الكبيرة والخسائر التي يتعرض لها بسبب التعامل بالديون، إلا انه نعجز عن رفع شعار ممنوع الدين، وذلك أن واقع الحال يحتم علينا البيع بالدين، ويعتقد أنه لا يوجد بيع إذ لم تكن هناك ديون حتى وان كانت ذات ضرر وليس فيها منفعة ولا ضمانات اللهم إلا الاعتماد على الفراسة في معرفة الثقاة الذين لا يتجاهلون تسديد ما بذمتهم.

المقايضة تعود لأسواقنا

أما بالنسبة لعلاء وهو صاحب محال بقالة للخضراوات ويمارس عمله منذ مدة وجيزة قد لا تتجاوز 30 يوما، وعلى الرغم من المدة القصيرة التي دخل فيها علاء (الكار) الا انه يملك دفتر دين. يقول علاء ان احد (معاميله) من الذين يتعاملون بالدفع الآجل يعمل مضمداً ويسدد ديونه مقابل العلاج الذي يعطيه له، ولا يدفع إلا بالمقايضة حيث يسد ديونه المتراكمة مقابل إعطائه العلاج، ولكن أكثر الشراء يكون بالدين. ويستدرك أنه لا يتعامل مع التجار بالدين وأن ضمانته الوحيدة هي الثقة.

الغريب أن المقايضة شملت أشياء لا تخطر على بال ومن ذلك لجوء بعض العوائل إلى من يعرفون من أصحاب سيارات الأجرة (تكسي عرف). ويبين مصطفى وهو صاحب سيارة أجرة وليس لديه مورد آخر سوى ما يجنيه من سيارة الأجرة، ومن خلالها يسد مصاريف وإيجار المنزل،  إن ما يجنيه من مال لا يسد حاجته وحاجه أهل منزله، فيتعامل بموجب ذلك بالدين، ويسدد ديونه من خلال ثمن توصيلة صاحب المحل مقابل الدين الذي لديه أي بالمقايضة. دفع الدين مقابل ثمن التوصيلة لمكان معين .

 

دفتر الدين..

أرقام على ورق

ليس هناك ما يضمن حقوق الدائن أو المدين غير الكلمة وأحيانا الأيمان المغلظة، وهذه أغرت بعض أصحاب النفوس الضعيفة والمعتاشين على السحت الحرام إلى الاستدانة ثم الإفلات تاركاً الدائن يندب حظه العاثر.

يعتقد أبو فرات (صاحب بسطية) أن ثقته الزائدة بالناس وإشفاقه على حالهم جعلته لقمة سائغة طرية. ويروي أن يتعرض باستمرار لاستغلال النساء خاصة لطيبته الزائدة عن حدها، حيث بات سجل الديون هواء على ورق.. سجل الديون الخاص به يحتوي على أسماء لأشخاص يتمنى لو أن ضميرهم يصحو ذات يوم ليسترجع بعض ماله. يقول أبو فرات أنه لو استعاد جزءاً من ماله الذي ذهب لكان وضعه أفضل من الآن، لكنه ما زال مصراً على أن لا حلّ أمامه سوى أن يبقى مستمراً على البيع بالدين لأنه سيبيع أكثر من غيره. ويؤكد أن القلة من زبائنه يدفعون نقداً!!

أما بالنسبة لـ(ابو حسين) يمتلك مطعما بسيطا للأكلات السريعة، قال وابتسامة خفيفة تعلو وجهه: لدي ديون كثيرة، وخاصة من الشباب برغم أن سعر الوجبة بسيط جدا، يمكن حتى للطفل الصغير أن يحمله، إلا أنني لا استطيع العمل إلا بالدين، ويتم الدفع عند إشباع البطون والحمد لله.

المعدن الأصفر

على الرغم من الارتفاع المتزايد لقيمة الذهب بصورة يومية ومتتالية ، إلا أن بعض الصاغة يتعاملون بالدين. حيث قال سنان وهو احد الصاغة: إن تعاملنا بالدين شيء وارد. لكنه يرفض تسميته بدفتر الديون بل يعتبره دفتر متبقيات. ويبين انه لا يتعامل بالدين على سعر الغرام، إذ يقوم بسداد اغلب متبقيات الدين من ماله الخاص، وبذلك يتلافى الخسائر التي يمكن أن تحدث نتيجة ارتفاع وانخفاض سعر الغرام من يوم الاستلام الى يوم الدفع، ونحن نعمل بشكل مدور (سلسلة ديون). ويؤكد على الرغم من أن 90% من (العرف) الذي أتعامل معهم بالدين، إلا أنني لم اسلم من النصب والاحتيال وعدم تسديد المتبقيات من الديون.

فوجئت بان التعامل بالدين قد تعدى في الوقت الحالي أصحاب محال الملابس والقطع المنزلية و........الخ، حيث أن القائمة أصبحت تشمل بالدين ايضاً، وهذا ما أكده البعض منهم. فراس (صاحب صيدلية) يقول إنه يتعامل بإعطاء الدواء مقابل تسديد الدين بفترة وجيزة. ويوضح أن سبب لجوئه إلى ذلك هو العامل الإنساني فبعض المرضى لا يمكنهم تسديد ثمن وصفة تحتوي على خمسة عشر نوعاً من العلاج قد تكلف أحياناً  100 ألف دينار، فاضطر إلى القبول بنصف ثمن القائمة نقداً والباقي على شكل ديون. يضيف أن هناك أناساً لا يوفوا ديونهم حتى وان كانت بسيطة، وفي هذا حالنا لا يختلف كثيراً عن أصحاب المحال الباقية.. الثقة هي أساس تعاملنا، ولا نقول غير جزائنا عند الله كبير ولهم رب سيحاسبهم .

 

اعرف زبونك

تحصل على ديونك

وبالاتصال مع الخبير الاقتصادي الدكتور ماجد الصوري بين للمدى: ان الدين هو سر التعامل الاقتصادي، خصوصا عند عدم توفر النقد بشكل كاف، حيث يعتبر من أحد أسس التعاملات بين التجار والصناعيين من ناحية، ومن ناحية أخرى التسديد على التصريف هو جزء من التيسير على السلع، والبيع بالأجل يختلف عن البيع بالدين بالفترة، فالدفع بالآجل يكون بفترة قصيرة لا تتجاوز الشهر أو الشهرين، أما الدين فيكون على فترة طويلة. ويبين الصوري بان تداول البضائع عن طريق الدين لا يكون على أساس فائدة التبادل بين التجار وإنما الفائدة تكمن ببيع السلع للزبائن بالدين باعتباره إقراضاً.

ويؤكد ماجد الصوري أن كثيراً من الشركات تمارس عملية الديون وتحمل الزبون فوائد وهذه ضرورات للإمكانيات المالية للزبائن، ومن ناحية أخرى للتعجيل في صرف السلع الموجودة لدى التجار، حيث أن سياسة الدين والتقسيط منتشرة في أمريكا وأوروبا بدرجة كبيرة جدا. ويشير إلى أن الدين يعتبر حجزاً للأموال التي يتقاضاها الزبون عن طريق الراتب أو الأجر لفترة طويلة من الزمن لصالح المنتج.. موضحاً أن المخاطر الموجودة يجب أن يكون تلافيها عن طريق "اعرف زبونك"، وخاصة التعاملات التجارية الكبيرة.

 

القرض حالة إنسانية مشروعة

وبالاتصال مع الشيخ المرجع عدي الاعسم، اوضح للمدى: إن الدين عمل مشروع على أن لا يختلط بالربا، فإذا تم الإخلال بشرط  معين بالبيع أصبح محرماً هنا. وهناك قاعدة في الفكر المحمدي الإسلامي، يحرم على الدائن أن يطالب المدين في عسره إذا كان معسوراً، ومحرم عليه أن يبيع بيته لتسديد المديونية عليه، فالقرض حالة مشروعة إنسانية لإنقاذ المعسور، لكن هناك شروطاً منها أن لا يكون هناك ابتزاز عليه، حيث يؤكد رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام مسألة الدين وأهميته في حديثه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ: الْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَالصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا". يبين الشيخ الاعسم فعلا يكون الدين صدقة مخفية، لكن لصعوبة وعدم تقبل البعض لهذه العبارة، لانه اسم غير محبب لذلك نعتبره واجباً للتآخي بين المؤمن وأخيه المؤمن، وواجب على المسلم أن يقرض أخاه المعسور وليس صدقة، وأنا كرجل مشرع احرم الدين إذ لم يكن بغير حاجة، ويجب على الدائن أن يعطي الآخر في حالة العسر، فالدين بالدين غير جائز وبيع الدين غير جائز، وذلك لان بعض المتحايدين يتسللون عبر الدين للدخول في الربا، وهذا غير جائز. واحترام الإنسان واجب ، ويجمع المسلمون على اختلاف مذاهبهم على أن القرض شيء مشروع يراد منه رفع العسرة والضيق عن المحتاج، ويكره في غير حاجة .

فالإسراف في الكماليات والمظاهر الكاذبة، والتوسع في الشراء بلا ميزانية واضحة ومحددة، ومحاولة تحقيق الأحلام والأماني بطرق مختصرة، جميعها أسباب تدفعنا للجوء إلى الدين الذي هو مذلة في النهار وقلق في الليل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد عثمان

    لم اجد اجابة مقنعة. انا اريد ان اعلم لماذا يقلق الناس على بعضهم البعض . مثلا ان اذهب الى مكان بعيد ويبدا صديقي بالقلق علي لانني غائب عنه. لماذا.

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في درجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram