قطعاً لن آتي بما لم تقله الأوائل لو قلت إن الدولة في أبسط مفاهيمها منظومة مؤسسات اختصاصية، والحكومة تشكل إحدى تلك المؤسسات: السلطة التنفيذية. ومن هنا لا تكون الدولة ملكا للحكومة أو خادمة لها، كما قد يتصور بعض البسطاء، بل العكس هو الصحيح دائما. وفي الأنظمة الديمقراطية أو في الدول المتقدمة هناك خط واضح يفصل الدولة عن الحكومة, فالأولى باقية والثانية تتغير وتذهب لتأتي غيرها. أما في الأنظمة المستبدة أو الساعية نحو الاستبداد، فان الحكومة ترى الدولة خادمة لها وإنها لو ذهبت أو رحلت أو تهدمت، فستتهدم معها الدولة والوطن أيضا. وما يحدث في العراق اليوم هو طغيان لفكرة مفادها أن تغيير الحكومة الحالية أو إسقاطها يعني إسقاط الدولة العراقية. ليس هذا، حسب، بل إن هناك تظاهرات تنظمها الحكومة بنفسها تحاول ربط مستقبل الدولة والوطن وحتى الشعب بمستقبل رئيس الحكومة. شيء لو قلّبته ألف ليلة وليلة ستجده يعني، بشكل أو بآخر أن "صدام هو العراق والعراق هو صدام".
لا أريد الخوض في إن كانت فعلا لدينا دولة أم لا، فذلك تطرق له كثير من الكتاب والمحللين المختصين، إنما أتساءل: هل لدينا حكومة؟
الإجابة بالنسبة لي، على الأقل، أراها لا تحتاج لبحوث أو صفنات طويلة. يكفيني ما أحدثته الأمطار من فيضانات مخجلة حولت بغداد إلى مستنقع خلال ساعات لتقنعني أننا بلا حكومة. ويكفيني أيضا أن أتطلع في الشوارع المخربة وأتفحص إحصائيات عدد القتلى والجرحى والعاطلين عن العمل وحساب عدد الساعات التي قضاها العراقيون بدون كهرباء ولا أمل بعيش كريم. حكومة بلا خدمات تجعل البلد كجامع بلا "بر گان"، كما يقول المثل.
واليوم تأتي هذه الأزمات الملتهبة لتثبت، بلا ما لا يقبل الدحض، أننا بلد تسيّر شؤونه الأقدار وليس الحكومة. شعب يتظاهر ضد ما لحق به من ظلم، وما تسمى "حكومة" مشدوهة البال لا تعرف ماذا تفعل. أي حكومة هذه التي يتحدث ويتصرف شيخ العشيرة أفضل منها؟ البلد على شفا حفرة من الحرب الأهلية وهي مشلولة لم يبق منها جهاز يتحرك غير السنة جمع من "مصحيجية" يتراطنون مع الشعب بلغة لا تميز الحق فيها عن الباطل. ولولا حكمة المرجعية الشيعية، التي تعاملت معهم كتلاميذ مشاغبين ومتخلفين دراسيا وأوقفتهم عند حدهم، لراح البلد في ستين داهية.
ورغم ما يشاع بأن مشاكل العراق مستعصية فان الحقيقة ليست كذلك. فتظاهرات الغربية، أو لنقل السنية، لا تحتاج إلى غير اعتراف بما هو مشروع منها وتلبيته بين يوم وليلة. وما يسمى بمشكلة الإقليم مع المركز لا تحتاج أكثر من تطبيق اتفاقية أربيل. وحتى الإرهاب هذا الذي سوّد أيام الناس ولياليها يحتاج إلى أن يسلم أمر مكافحته لمختصين طبقا لمبدأ الكفاءة وليس الولاء للمذهب أو الطائفة. فلو توفر لنا رجال دولة يقومون بنزع الأسلحة من كل طرف مهما كان دينه أو مذهبه ويحكمون السيطرة على المنافذ الحدودية دون منح اي امتياز "خاص" لهذه الدولة الحدودية او تلك، لضمنا حل المشكلة الأمنية خلال عام على الأكثر. وقبل هذا وذاك، نحتاج إلى ضمائر تقطع نزيف هدر المال العام وسرقته من قبل منظومة الفساد.
ما كان كل الذي مر بالعراق من كوارث سيمر لو كانت لدينا حكومة. أما هذه التي يسمونها "حكومة" فهي في أفضل الأحوال، مجموعة "خاتلة" في المنطقة الخضراء، ولم ولن تحل مشاكلنا إلى أن تأتي حكومة فعلاً.
جميع التعليقات 1
qassem
لا اعرف لماذا يتم الزج بال(المرجعية) او رجالات المذهب كما هم حقيقة يتم الزج بها من هذا الطرف او ذاك وكانما هم المفتاح لكل معضلة يمر بها هذا البلد او ذاك ثم يحاولوا ان يقنعوا انفسهم بان المقال او الحوار هو حوار متمدن حر ديمقراطي ووووو, وهل هناك حوارا حرا