أكدت تصريحات بابا الأقباط تواضروس الثاني حول رفض زيارة القدس ما دامت أسيرة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهي تجديد لموقف الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بهذا الصدد، كان قائماً منذ رفض البابا الراحل القيام بهكذا زيارة وحثّ أتباعه على عدم القيام بها، نقول إنها أكدت وطنية أقباط مصر الذين يتعرضون لأشكال من القهر ومحاولات التهميش على يد الإسلامويين الممسكين بمقاليد السلطة في أرض الكنانة بعد إطاحة نظام مبارك غير المأسوف عليه، وهم مؤيدون في موقفهم هذا بالسلفيين الذين يخرجون علينا كل طالع شمس بتصريحات، ليس لها من هدف، غير تخويف الأقباط ودفع أعداد منهم للهجرة من وطنهم، وخلق شرخ بين أبناء البلد الواحد، المشهور على مدى تاريخه بالتسامح والتعددية.
الكنيسة المصرية تحاول النأي بنفسها عن المواقف السياسية، في هذه المرحلة المرتبكة من تاريخ مصر، لكنها وهي القائد الروحي لهم، لا تستطيع تجاهل التمثيل المتدني للمسيحيين في البرلمان، وأن نسبة هذا التمثيل، حتى لو بلغت 10% قد تكون رسالةً إيجابيةً للخارج، ولكنها تظل تمثيلاً ضعيفاً مقابل 90% من مختلف التيارات، ولأن الكنيسة ليست حزباً، فإنها ترفض قطعياً،"رغم مطالبتها بذلك"، دراسة أي قوائم انتخابية، لدعمها أو الوقوف ضدها، وهي تكتفي بممارسة دورها الديني فقط، ولا تمارس أي دور سياسي أو حزبي، ومع ذلك، ومن منطلق وطني شديد الوضوح، فإنها ترفض فكرة تحديد كوتا للمسيحيين، لأنها مسألة من شأنها تقسيم الوطن، في وقت هو في أشد الحاجة لتوحيد جهد كل الخيّرين من أبنائه، للنهوض بواقعه المتردي نحو مستقبل أفضل لكل المصريين.
معروف أن هناك حركة هجرة، يجد الأقباط أنفسهم مجبرين عليها، وقد تبدّت هذه الحركة بوضوح خلال العامين الماضيين، وإذا كانت أعداد المهاجرين مجهولة حتى اليوم، فإن "الهروب" قد يكون حلاً إنسانياً أمام الخوف أو الإحساس بالإرهاب، كما يقول البابا، ولعل من المفيد التذكير هنا بهجرة مسيحيي العراق من وطنهم، بعد سقوط نظام البعث وصدام، وصعود التيارات الإسلاموية إلى سدة السلطة، وهي تحمل برامج تقسيمية على أسس دينية ومذهبية، تسرق من بلاد الرافدين أجمل مافيها، وإذا كانت أعداد الهاربين الأقباط مجهولةًّ، فإن النسبة المرعبة للمسيحيين العراقيين، الذين فرّوا بجلودهم من وطنهم، وكذلك الوضع الملتبس لمسيحيي سوريا، الذين يجدون أنفسهم بين حجر النظام ورحى "المجاهدين"، تدفع لدراسة هذه الظاهرة التقسيمية، التي لاتنم عن غير الجهل بأسس المواطنة.
في الأردن حيث تعمد السيد المسيح بمياه نهره، يبشرنا مراقب عام جماعة الإخوان المسلمين، بأن الدولة الإسلامية قادمة، لكنه لم يشر إلى وضع المسيحيين فيها، وهل ستفرض تلك الدولة عليهم القبول بفكرة أنهم أهل الذمة، وهم في واقع الأمر ملح الأرض، وأصل سكان هذه المنطقة، كما هو الحال في سوريا ولبنان وفلسطين ومصر والعراق، وهل سيكون التقسيم على أسس دينية هو سمة هذه المنطقة من العالم بعد هبوب نسائم "الربيع العربي"، التي تتحول بفعل استئثار الإسلامويين بالسلطة، إلى ريح سوداء، تنفخ في كيرها قوىً لاتريد الخير والسلام والاستقرار لهذه المنطقة وشعوبها، طالما أن ذلك يخدم الدولة اليهودية القائمة على أسس دينية.
الدين لله والوطن للجميع، مفهوم عبقري أنتجته القوى الثورية المصرية في بدايات القرن الماضي، وهو يجب أن يكون أيقونةّ عند كل مواطن عربي، بغض النظر عن دينه أو مذهبه، يحارب من أجل سيادته وكبح جماح من لايؤمنون به، لأنه بكل بساطة تقتضي المصلحة الوطنية والإنسانية ذلك، وتحث عليه.