أحلى ملاحظة على أداء لجنة الدكتور الشهرستاني كانت للأستاذ عدنان حسين في عمود بعنوان "متى يترجل رئيس الوزراء عن بغلته" أبدى فيه السعادة والاستغراب من ان يتمكن نائب رئيس وزراء أبطأ دولة هي العراق، من حسم ٢٠ الف معاملة اجتثاث خلال بضعة ايام. ورسالة هذا أن اللغة الوحيدة التي يبدو ان فريق المالكي يفهمها هي التظاهرات التي تهدد بإسقاطه، والدرس الذي قدمته احتجاجات نينوى وسامراء والانبار، هو درس يمكن للبصرة والسماوة ان تتعلما منه الكثير اذا لم ينصت احد لمطالبهما بعد، رغم ان البصرة كانت سباقة للاحتجاج في انتفاضة الكهرباء عام ٢٠١٠، ويظهر ان عليها ان تعيد الكرة في مظاهرة لا تنتهي بيومين بل تنصب فيها الخيام ويجلس الناس للاعتصام شهرين او ثلاثة.
والبصرة ظلت تتابع اخبار المظاهرات بتلهف، وفي فندقيها الفاخرين "مناوي باشا" و"شيراتون" شاهدت الجميع يتصفحون جريدة "المدى"، وسألت رجل أعمال عن رأيه في تغطية اخبار المظاهرات فقال: اقرأ المدى لان وسائل اعلام الحكومة لا تقدم صورة عما يجري، وعليّ ان اوضح لشركائي المستثمرين الأجانب ماذا يجري في البلاد. جريدة الصباح لا تقول شيئا.
ان التعتيم على المشاكل لن يستطيع اخفاءها، فما لا تقوله قناة العراقية ستقوله اذاعة المدى أو وكالتها الاخبارية، وستتعمق فيه البغدادية والشرقية والعربية، ولاننا اخفينا المشاكل فقد كبرت المظالم حتى اضطر المرجع الاعلى لان يقوم بإسماع المالكي اقسى كلام سمعه في حياته.
وآخر مظلمة سمعتها كانت لرجل ستيني لا يزال ابنه معتقلا منذ ثمانية اعوام، دون ان يصدر حكم القاضي النهائي بحقه. الشاب دخل السجن بعمر ٢١ سنة، وهو الان في سن ٢٩، ولا فرج ولا نافذة امل. الرجل انفق على ابنه رشاوى تجاوزت ٥٠ ألف دولار، لا من اجل تهريب ولده من السجن بل من اجل اكمال اضبارته التحقيقية وايصالها للقاضي دون نواقص كي يصدر الحكم ويتضح المصير سواء كان إعداما أم إفراجا. لكن الجهود تفشل بسبب سياقات مغلوطة وظالمة وعجز السلطان عن تصحيح وضع العدالة المؤسف.
وقد اتيح لي ان التقي خلال الشهر هذا، ٣ من الزعماء الشيعة، احدهم رجل دين شاب هو السيد عمار الحكيم سليل الاسرة المعروفة، والاخران من شيوخ العملية السياسية. وكانت مسافة الخلاف بيني وبينهم حتى كليبرالي متطرف في ليبراليتي احيانا، محدودة، ذلك انك تطلع على تصوراتهم المعتدلة في معظم الملفات الاقليمية، وتطلع على اتصالات ايجابية من شأنها تخفيف المظالم وتهدئة الوضع مع الجار التركي وانهاء البرود المزعج مع الجيران في الخليج، وتصحيح الكثير من اخطائنا في الملفين السوري والايراني على حد سواء، بنحو لا يخل بجيرة ولا يحسب لطرف على طرف.
وفي نهاية كل لقاء كنت أقارن بين عمق تصورات الاعتدال هذا، وبين وصف "الفقاقيع" الذي استخدمه سلطاننا في نعت المحتجين الكرام من الرمادي حتى الموصل. وأسأل نفسي: إذا كنت أنا عدوا وكنت "اشخصن" الأمور مع المالكي، وكان امثالي علمانيين متهمين بالتطرف، وكانت العراقية بعثية والأكراد انفصاليين، فلماذا لا ينصت المالكي الى هذه اللغة الكيسة التي تصدر من الحكيم والصدر وباقي عقلاء الشيعة، وكلها سيناريوهات مصممة بعناية لنزع التوتر داخليا واقليميا.
المالكي امامه فرصة ان يستمع لهؤلاء، لكنه يغلق هواتفه ويستغني عن نصائحهم ويشك في دوافعها لاسباب لا تخلو من اختلال نفسي. اما نحن فغير محظوظين، لان الاعتدال الشيعي ظل خارج السلطة حتى لو اتيح له بضعة وزراء في الكابينة. بمعنى انه لم يؤثر في سياسة خارجية ولا داخلية، بسبب تفرد السلطان.
انه اعتدال تحتاجه كل المنطقة، وتغيير نهج الحكم الذي طلبته المرجعية يبدأ من اشراك هذا النهج الاعتدالي في القرارات الكبرى، وبخلافه فإننا ماضون الى المزيد من القمار السياسي الذي لن يتوقف عند حد مع فريق الحكومة المتسرع والمتلعثم الذي يتسابق نحو هاوية مؤسفة.
اعتدال شيعي خارج السلطة
[post-views]
نشر في: 20 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 2
المدقق
عجيب امر هذا البلد الذي سوف لن تقوم له قيامة حتى يعرف كل منا حجمه الحقيقي .. فانت ترى في هذا البلد العجب العجاب . فتجد ان الاطفال هم الذين يوجهون الكبار . وان الاقلية تفرض رايها على الاغلبية . وان المرتشين واصحاب الاجندات الخارجية يعلو صوتهم فوق صوت وطنية
منتظر القيسي -العراق
سرمد ليس هذا عهدنا بك,,زعيم مليشيا إرهابية معتدل؟؟!! ووريث قيادة فشلت في توريثه إقليم الجنوب حصيف؟؟!يا عزيزي سيستمر السلطان متربعاً على عرشه ما دام هؤلاء خصومه الذين ليست مشكلتهم في تفرد المالكي بالسلطة بل في أنه يقطع الطريق عليهم ليتفردوا هم بها,ولنتخيل