TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > إعادة الاعتبار للهوية الوطنية درءاً للتآمر ..بصراحة.... هل نريد عراقاً موحداً...؟

إعادة الاعتبار للهوية الوطنية درءاً للتآمر ..بصراحة.... هل نريد عراقاً موحداً...؟

نشر في: 20 يناير, 2013: 08:00 م

-  10  - لن نلفّ وندور، لأن ما نواجهه من تحديات لا يتحمل اللف والدوران، ولا يستقيم الحال مع استخدام الصيغ والتعابير الملتوية. ولست في وارد الإبهام في التعابير وليِّها، لأن التحدي الماثل بما خَفيَ منه وما بات يتناثر في فضائنا السياسي، يُنذر

-  10  -
لن نلفّ وندور، لأن ما نواجهه من تحديات لا يتحمل اللف والدوران، ولا يستقيم الحال مع استخدام الصيغ والتعابير الملتوية. ولست في وارد الإبهام في التعابير وليِّها، لأن التحدي الماثل بما خَفيَ منه وما بات يتناثر في فضائنا السياسي، يُنذر بعواقب وخيمة، ويحتاج الى صراحة موجعة تصدم، وقد تثير الشك والالتباس.
 وبعبارة واضحة هل العراق مقبلٌ على طلاقٍ سياسي يؤدي لا محالة الى تثليثه كيانياً أو الى تشظيّاتٍ غير محسوبة؟
واذا كنا في مواجهة مثل هذا الاحتمال فمن  يؤسس له؟ وبأي ادواتٍ يُراد له ان يتحقق؟ وعند من الخبر اليقين؟ وهل ثمة رادعٍ يعتمد كشف الحجاب عن السبب والمُسبّبِ، وإعادة الامور الى ما ينبغي ان تكون عليه الشراكة في وطن مسكونٍ بتناقضاتٍ قابلةٍ للتعايش، اذا ما عثرنا على الإطار الكفيل بوضع كل عنصر منه في مداره الطبيعي، بعيداً عن دوائر الصدام والتفكك؟

وبصراحة فإن العراق كما هو عليه محكومٌ بمكوناته من سنةٍ وشيعةٍ وكردٍ  وتركمان ومسيحيين وصابئة وايزيديين وأطياف مُلتَمَةٍ على بعضها البعض، لم تستطع عقود من التسلط والاستبداد والتمييز ان تفرق شملهم، فقد فشل الحكام المتلفعون بعباءة الدين في تحويل معاركها الى صراعٍ وتقاتل فيما بينها. وقد امكن ذلك بوعي عميقٍ واستدراكٍ متبصر، من قبل الحركة الوطنية بكل أجنحتها ومشاربها قبل ان يختطف الاسلام السياسي الولاية التمثيلية من مراجعها الدينية العليا، ويتحول الى مرجعٍ بأدوات السياسة المباشرة، وينقل الاختلاف والصراع على السلطة الى متاريس طائفية ومذهبية، ويقسم المجتمع والدولة وينزل بهما  من وظيفتهما الحاضنة للمواطن، أياً كانت هويته الفرعية او المذهبية، إلى كانتوناتٍ ومعازل للفصل حسب الانتماء الطائفي والديني والتكويني الفرعي.
كان أمام العراق في ظل هيمنة أمراء الطوائف المتخاصمين على الهوية  خيار البقاء في حالة تربص متبادل، بانتظار الفرصة، استقواءً بدخيلٍ او تَغيّرٍ لموازين القوى، او تكريس هذا البقاء بتفهم لظروفٍ تأخذ في الاعتبار المظلومية التاريخية وتجاوزها، باعتماد التناسب السكاني كاصطفافٍ ضامنٍ لاحترام الكل وفقاً لمعايير وقيم الديمقراطية والتداول والفرص المتساوية في اطار دولة القانون والحريات والمؤسسات وكفالتها.
وقد أمكن الاتفاق على شروط التشارك والبقاء في خيمة عراق ديمقراطي اتحادي، تم إرساؤه على قاعدة التوافق الوطني، وهو اطارٌ من شأن ضمان تطبيقه في الحياة السياسية دون شرخٍ او تحيين الفرصة لقضم الآخر، ان يدفع عبر خطواتٍ متأنية ترتقي بالبلاد اقتصادياً وثقافياً نحو إمكانيات اختراق محسوبٍ يؤسس لدولة المواطنة بهوية عراقية تتراجع تحت قوة نفاذها الهويات المذهبية والدينية والقومية، دون ان تفقد حرية تعبيراتها وتُجردها حضورها الذاتي .
ولم يكن عند اختبار خيارات البقاء شركاء في وطن واحد أو الطلاق الراشد، ولا الان، الابقاء على هذه الشراكة كاختيار طوعي من المكونات الكبرى دون الالتزام بشروط الشراكة وكفالتها وديمومتها، وهي ذات الشروط اللازمة لاقامة النظام الديمقراطي التداولي الاتحادي. وهذا الخيار متناقضٌ تناحرياً مع اي نزوعٍ مُشتَبهٌ  به لتهميش اي مكون اخر واقصائه، او ممارسة اي شكل للتمييز ضده، وتجريده من مكامن قوته التعبيرية  في الحياة السياسية . ومثل هذا النزوع تمهيدٌ مؤكدٌ للخروج من طاعة القيم والمحددات التي يفرضها الخيار الديمقراطي، ويكرس للواحدية السياسية كسيادة لسلطة الفرد او الجماعة او الحزب الواحد، ويفضي لا محالة الى نوعٍ من الدكتاتورية وشكلٍ من اشكال الاستبداد.
ان الاوضاع الراهنة تطرح على العراقيين بكل تلاوينهم السياسية والفكرية والطائفية والقومية، لاول مرة بوضوحٍ سافر، تساؤلاً مصيرياً حول مصير العراق الواحد، وهو تساؤلٍ فظ تستدعيه وتفرضه مظاهر الاحتقان والتوتر والاستنفار في أوساط العرب السنة بالتحديد وما تفرزه من وقائع ومظاهر وحراك احتجاجي شعبي قابل للتوسع والتمدد والتصعيد، تعبر عن شكوىً من سلوكٍ في الحكم يناصبهم العداء والاستهداف ويكمن لهم بلا مسوغٍ من قانون أو تعامل عادل. وقد ترتب على ذلك كله مظالم طالتهم بالإقصاء والتهميش، كما طاولت شرائح المجتمع العراقي كلها بصيغٍ مختلفة ومستوياتٍ متفاوتة، تدرجت من المكون السني على وجه الخصوص  لتتناول الكرد بالردح الذميم والوعيد بحرب غير مسبوقة، وانتهاءً بالتضييق على جموع الشيعة من غير الموالين واستهداف تمثيلهم السياسي والإبقاء على مناطقهم كسيرةً تعاني من شظف العيش وتتلظى بنيران الحرمان  والإهمال الإنساني.  
واذا لم يتحول الهمس حول خيار الطلاق السياسي بالصيغة الممكنة حتى الآن الى تصريح ومطلبٍ مطروحٍ كخيار، فإن بعض التداعيات في حركة الاحتجاجات وما تنم ُعنها من قولٍ او شعار او شِقشِقةٍ، وفي المقابل بعض ما صرح به قوّالون من دولة القانون، وما يتسرب من كلامٍ مستفزٍ من ناطقين ومحسوبين على رئيس مجلس الوزراء، بل وحتى ما ينسب له مباشرة في لقاءاته مع محاوريه، كل ذلك وهذا يجعل من الظنينة والشبهة، تصريحاً يقتضي التناول واتخاذ الموقف المناسب، وما يحول دونه من إجراءات وتدابير وسياساتٍ تعيد الثقة وتفكك عناصر الشكوك والريبة العميقة.
ان التحدي واضح المعالم، وما يطرحه خيارٌ بين طريقين لا ثالث لهما سوى الارتهان لعامل الزمن والصدفة، وكلاهما يغذيان ضروب المواجهة إذا لم يجر تدارك الأسباب التي قادت البلاد إلى هذه المتاهة المظلمة ووضعتها على شفا الهاوية السحيقة.
فإذا كان خيارنا هو الحفاظ على عراق واحد فلا بد أن نحزم الأمر على مواجهة التحدي، بما يتطلبه ذلك من تدابير وإجراءات قبل الحديث عن حوار وجدلٍ بين الفرقاء، ثنائية كانت او جماعية، في إطار تطبيق استحقاقات الاتفاقيات المبرمة وما تفرضه من التزاماتٍ متقابلة، ولا اهمية لأي خطوات على صعيد تفكيك اعراض الازمة  قبل اجراء إصلاح سياسي تنتهي بموجبه كل المظاهر والممارسات اللادستورية التي تكرس الانفراد في اتخاذ القرارات الحكومية والعسكرية، ويعيد الاعتبار إلى مفهوم الشراكة في قيادة الحكومة والدولة بكل مرافقهما، ويزيل التشوهات والتجاوزات على السلطتين البرلمانية والقضائية ويطهر أجهزتها من العناصر المشبوهة والمشمولية بالمساءلة والعدالة.
 وفي سياق عملية الإصلاح لابد من إعادة النظر بالقرارات غير الدستورية التي اتُخِذتْ، وإقرار القوانين التي جُمدت وتأمين تنفيذ القوانين بنزاهة وعدالة دون تمييزٍ او انتقاء طائفي او سياسي، وتدقيق المادة ٤ إرهاب وتشذيبها بحيث يتوقف تطبيقها عند المجرمين والإرهابيين، وكذلك وضع الضوابط الكفيلة بشمول المساءلة والعدالة لمن تنطبق عليه بمعيار واحد عادل ومنصف.
لقد اصبح خطر عسكرة المجتمع والدولة ماثلاً للعيان، يصطدم به المواطنون كل يوم وفي كل اتجاه، وهو ما يستدعي كل ما يلزم لكي لا تصبح القوات المسلحة موضع نقمة الشعب، ولا تُستنفذ طاقاتها في مهام لا تتفق مع ما وضعه الدستور توصيفاً لها، وفي مواقع بعيدة عن مرابضها التي تقتضي أن تكون فيه لتدافع عن أمن المواطن وسيادة البلاد.
ان ورقة الإصلاح التي سبق إقرارها في الدورة التشريعية السابقة تصلح، إذا ما أُجريت بعض التعديلات الضرورية عليها بسبب المستجدات، لاعتمادها من اجل احتواء بعض جوانب الأزمة الراهنة وسابقاتها.
وما ان تأخذ هذه الإجراءات ومضامين الإصلاح السياسي والاداري طريقها الى التنفيذ، ويجري اعتماد النظام الداخلي لمجلس الوزراء بعد تعديله، ويتوفر بذلك قدر مناسب من الثقة والمناخ الايجابية، يمكن ان يكتب النجاح للدعوة إلى عقد حوار شامل بين جميع الفرقاء دون شروطٍ مسبقة، قد تنتهي سريعاً في رأب الصدع وتعميق المسيرة الديمقراطية للعملية السياسية المتعثرة والمهددة بالضياع.
اما اذا كان خيار البعض في التبشير بلغة كليلة ودمنة الى التخلص من الضيوف الثقلاء "العالة" على العراق وثرواته وإقامة "دولة الشيعة"، وهو ما يعكسه فريق دولة القانون ومداخلاتهم المتلفزة سيئة الصيت والصوت، بالعودة الى خطة نائب الرئيس الأميركي جون بايدن، فهي الطبعة الأخيرة لمغامرة الاندفاع نحو تحقيق الانفراد والتسلط. وهو خيار يداعب خيال المطالبين بدورات غير محدودة لرئيس الوزراء الحالي، وامل خائب بالتسيّد بلا موانع وعراقيل وتحاصص ومعارضات،  فأبواب جهنم مفتوحة على مصراعيها امام دعاة هذا الخيار للدخول فيها أفواجاً جزاء ما اقترفته سياستهم من مظالم وخراب طاول العراق والعراقيين.
إنها لمفارقة ومدعاة للدهشة أن تستطيب عناصر تَدعي الدفاع عن وحدة العراق، التصريح بلا مبالاتهم عن احتمال تفكيك كيانه بدعوة الأكراد تارة والسنة العرب بشكل مبطن تارة أخرى بإنهاء استضافتهم المكلفة من خزائن آبائهم وأجدادهم والانفصال .!
انه خيارهم المخبوء والمرتجى لازاحة الموانع  والاستعصاءات السياسية التي تفرمل نزعاتهم المغامرة التآمرية، وتبدد أطماعهم لأخذ العملية السياسة رهينة لتمكينها باغتصاب الدولة ..!
اذا استمر تلبيد الاجواء وتوتيرها بالمزيد من الأزمات، واذا استمر الانكفاء بانتظار الفرج بين القوى الحية في الوسط الشيعي، قبل غيرها من الشركاء، ولم تتضافر جهودها لإجهاض ما يراد من فتنة تقود لفتنة أشد وبالاً، وتدفع باتجاه ما يرفد الخيار الأول بعوامل القوة واليقظة والممانعة ضد تخندق الفريق الرافض لاي اصلاح وتقويمٍ ومعافاة للعملية السياسية، فان الإمكانية في الخيار الآخر يصبح على عتبة  الواقع، يمكنه ان يتغذى على فتنٍ واطماعٍ تراود أوساطاً داخلية وخارجية تنتظر الفرصة السانحة للدخول على خط الصراع ومنازلة الخيارات.
ان الكرد، مصممون على بقائهم آباء شرعيين وعرابين للعملية السياسية وشركاء في العراق الديمقراطي. والعرب السنة ليسوا في وارد التفريط بالعراق وقد ارسوا لعقود قواعد بنيانه، ولابد أن تكون ثقتهم عميقة بالقوى الحية وقدرتها مجتمعة على تجاوز كل ما يحول دون تكريس شراكتهم على رأس الحكومة والدولة. أما أكثرية الشيعة فلن يستسلموا لموجة استغفالهم والتفريط بدولة التعدد والتنوع والعمق التاريخي، وهم يدركون قبل اشقائهم في المكونات الاخرى ان من يتجرأ على التفريط  بالعراق الدولة، لا يتورع بالمغامرة بمصالحهم ومستقبلهم  خدمة لمطامعه وأوهامه المكابرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram