هناك معايير كثيرة تحدد أهمية الأشياء، ومن بين أكثرها شيوعاً، هو أن أهمية الشيء تزداد مع زيادة عدد المهتمين به. كاظم الساهر مهم لأنه يُعجب أعداداً هائلة من الناس، والذهب مهم لأن استخدامه يناسب استخدام أعداد لا حصر لها من المستخدمين.. وهكذا. هذا يعني أن هناك ارتباط وثيق بين الموضوع المهم، وبين المهتمين به، وهو ارتباط وجود، فإذا اختفى المهتمين ضاعت الاهمية واختفت، لذلك لو امتلك أي منا عصاً سحرية وأخفى من خلالها جميع المولعين بالساهر، لهبط هذا الفنان إلى هامش الحياة سريعا.
هناك أشياء كثيرة تهمنا نحن الذين نعيش داخل إطار مكاني وزماني واحد، أقصد نحن المجايلين لبعضنا البعض، وعندما نختفي فستختفي أهمية هذه الأشياء. هذا ما حدث، مثلاً، بالنسبة للناس الذين جايلوا بعضهم في السنوات الممتدة بين عامي 550 و 650 قبل الميلاد في العراق، فكل الأشياء التي كانت مهمة بالنسبة لهم، وسواء أكانت أحداثاً أم أشخاصاً أم أشياء، صارت غير مهمة، بل غير معروفة تماماً. ولذلك نحن لا نعرف، أي شيء عنها. انتهت أهميتها بنهاية المهتمين بها، وحتى لو كانوا يتخيلون بأن أهمية أشيائهم لا يمكن أن يأتي عليها يوم ولا تكون مهمة.
الأهمية نسبية تماماً، لكننا نعول عليها في رسم معرفتنا. نحن نقول بأن الإنسان كائن مهم، لأن تاريخه مهم ومعرفته مهمة وإنجازاته مهمة، ولذلك يجب أن يكون مصيره مهماً، لكن إلى أي درجة يجب أن تكون هذه القضية صحيحة؟ الموضوع نسبي ومرتبط بنا، أهمية الإنسان مرتبطة بوجود الإنسان، وعندما يختفي من هذا الوجود فستختفي أهميته، وستختفي حينها أهمية كل الأشياء التي اعتقد بأنها غاية بالأهمية.
لو افترضنا بأن كائنات ما، كانت موجودة قبلنا بخمسة مليارات سنة، وأنها وعالمها الذي كانت فيه، اختفوا نتيجة كارثة حدثت قبل أربعة مليارات وكذا مليون سنة، فما مدى أهمية هذه الكائنات بالنسبة لنا الآن؟ ليست هناك أي أهمية طبعاً، فنحن لا نعرف بوجودها حتى! طيب ماذا لو كانت هذه الكائنات تعتقد بأنها الأهم في الوجود على الإطلاق، وبأن ملوكها هم الأهم من بين الملوك وأنبيائها وفلاسفتها وحتى نسائها الأجمل من بين النساء، بل ماذا لو كانت هذه الكائنات تعتقد بأن مصير الكون مرتبط بمصيرها وتجربتها، وأن كل شيء يجب أن ينتهي مع نهايتها ويعاد إنتاجه من جديد، تبعاً لإعادة إنتاجها هي؟ ماذا لو حدث ذلك؟ بالأحرى ماذا لو حدث ذلك معنا؟ أقصد ماذا لو اختفينا نحن، وظهرت بعدنا بمليارات السنين كائنات لم تعرف عنا وعن ولا عن جودنا أي شيء؟
طائفتي بعد 4 مليارات سنة
[post-views]
نشر في: 20 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 1
ali
الاستاذ سعدون/هكذا يكون تحطيم اليقنيات الزائفة بالمعول/لا تجعل قبضتك تهتز/شكرا