اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > لصوص يملكون حصانة عشائرية تشبه حصانة سراق الشعب

لصوص يملكون حصانة عشائرية تشبه حصانة سراق الشعب

نشر في: 21 يناير, 2013: 08:00 م

عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً، الشارع أصبح خاوياً من المارة. الجميع تقريبا ذهبوا إلى العمل ومن بقي في البيت حشر نفسه قرب المدافئ، غالقاً بابه بعد ذهاب أولاده الى المدرسة. تقف سيارة في جزرة وسطية أمام احد المنازل  الواقعة في محلة 879 وينزل

عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً، الشارع أصبح خاوياً من المارة. الجميع تقريبا ذهبوا إلى العمل ومن بقي في البيت حشر نفسه قرب المدافئ، غالقاً بابه بعد ذهاب أولاده الى المدرسة. تقف سيارة في جزرة وسطية أمام احد المنازل  الواقعة في محلة 879 وينزل منها شخص مكشوف الوجه ويتوجه إلى احد المنازل التي رسم على سرقتها ، يقوم بفتح قفل الباب الرئيسي ويدخل إلى الدار ثم يفتح الأبواب الداخلية الأخرى بفن ودقة ومهارة لا تثير شكوك احد لأنه لم يصدر صوتاً عند فتح الأقفال ولم يلتفت يمينا او يسارا، خوفا من قدوم شخص ما ، ما الذي حدث داخل الدار؟ العلم عند الشخص المجهول الذي يغادر بعد مرور دقائق لا تتعدى العشرة، يغلق الباب الذي لا يصدر صريراً لينذر الجيران بقدوم أو مغادرة شخص فالبيت ما زال حديث البنيان.
كاميرا تكشف السارق
هذه حادثة حقيقية حدثت قبل يومين في منطقة حي الجهاد وفي المحلة التي ذكرناها في اعلاه وهذه الأحداث تم اكتشافها عبر إحدى الكاميرات التي نصبت في الشارع الفرعي الواقع في المحلة من قبل احد المنازل الغنية التي تخاف على سياراتها الحديثة، على احد أعمدة الكهرباء، ومن حسن حظ السكان أن أسلاك المولدة الأهلية المتدلية غطت الكاميرا بشكل نصفي لذلك السارق لم ينتبه إلى وجودها ، وبعد عودة أصحاب المنزل المتكون من الوالدين الموظفين وأبنائهم الصغار في المدرسة ، وبالطبع الأولاد كانت عودتهم قبل آبائهم ليكتشفوا السرقة ويذهبوا ليخبروا الجيران الغاطين في نوم عميق ولم يعلموا ما حدث لبيت جارهم إلا بعد ان اخبرهم الأطفال ويتصلوا بالوالدين ليأتيا مسرعين ويكشفا ان المال الموجود والمضموم لوقت "الشدة" والذهب الزينة والخزينة سرقت. صاحب الدار يدعى ابو نبيل سرد لنا القصة ويكمل أحداثها بأنه قام بالاستعانة بالكاميرا المنصوبة من قبل احد المنازل قبل ستة أشهر ليحصل على فلم يصور عملية السرقة بالكامل وصورة الشخص ورقم السيارة  لكن من يقوم بإبلاغ السلطات الأمنية حسب قول أبو نبيل سوف يدخل في سين وجيم ويصرف من المال ضعف ما سرق في مراكز الشرطة! وفضل بان يقول ويسمع من الجيران "العوض على الله".
حوادث تتكرر
حوادث السرقة زادت وتكررت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ وأصبح انتهاك  حرمة المنازل تخترق من قبل "السراق" الذين يملكون حصانة عشائرية حالهم حال من يسرق الشعب من البرلمانيين، ظاهرة تفشت بين أوساط المجتمع العراقي دون رقيب أو واعز من ضمير كما إنها لا تختلف كثيرا عن عمليات السلب والسرقة المنظمة. الضابط جبار من مركز شرطة حي العامل يسرد لنا قصة سرقة خروف حدثت قبل أيام في منطقة البياع حيث قام احد اللصوص بسرقة خروف ليلا من احد بائعي الأغنام الساكنين في المنطقة المتجاوزة قرب كراج البياع  وفي صباح اليوم التالي أراد السارق بيع الخروف الذي وصل إلى احد أولاد عمام الراعي الأصلي للخروف لتتحول المسألة الى الشتائم والتهديد بالقتل وإطلاق النار من اجل إعادة الخروف الذي يصمم سارقه على انه مالكه. وبيّن الراعي الذي يثبت عائديته إليه بعد أن قام بإطلاق صفير جعل الخروف المسروق يعود إلى القطيع، الضابط جبار يستدرك في حديثه قائلاً: هناك أمور تحدث من سرقات يصعب تصديقها ونخجل من سردها فهذه الحادثة كانت نتائجها دخول السارق إلى السجن وأولاد عم المالك الأصلي للخروف بعد إطلاق عيارات نارية على بعضهم البعض. والآن هم بانتظار الفصل العشائري والتنازل عن القضية.
البطالة وضعف القانون
وعلى الرغم من أن حوادث السرقة ليست بجديدة على المجتمعات جميعا لكن حسب تحليل الباحث الاجتماعي عبد الرحمن آل زهرة الذي تحدث في اتصال هاتفي مع الـ(المدى)قائلا: ضعف تطبيق القانون يؤدي الى انتشار الجرائم المختلفة والسرقة والنصب والاحتيال التي تصنف من الجرائم الصغيرة والخطرة لأنها تعتبر آفة تنخر بالمجتمع والناجمة عن البطالة والحاجة إلى المال فالسارق يكون محترفاً أحيانا وأحيانا أخرى لا يعرف غير سرقة الملابس أو القناني أو حتى معدات المولدات وإطارات السيارات، والنتيجة الواحدة هي انحراف يولد القتل عند الوقوع بشباك المالك أو الأجهزة الأمنية إذن الأمر كما يعلق عبد الرحمن في حديثه قائلاً: يحتاج إلى معالجة البطالة والعوز المادي والاحتواء الاجتماعي وسيادة القانون ليتم القضاء عليها وإذا لم يتم ذلك فالمجتمع لن يكون في مأمن من السارقين.
فنون السرقة
وفي منطقة المنصور تحديدا الشارع الذي تقع فيه السفارة الإماراتية الواقعة خلف مطعم الساعة حدثت جريمة كاد يذهب ضحيتها الأم وأولادها بسبب الأب التاجر الذي كان مراقبا من قبل مجموعة من أفراد عصابة تطلق على نفسها "الكواسر" يقول الملازم محمد في مركز شرطة المنصور: انه قبل شهر قام ثلاثة أفراد يحملون السلاح المختلف الأنواع وطرقوا باب منزل بعذر الاستفسار عن بيت يفقدون عنوانه الصحيح ويريدون الوصول إليه، ومن خرج هو زوجة صاحب الدار التي تحاول الفرار منهم بعد أن رأت السلاح خلف ظهورهم وحاولت غلق باب المنزل وفعلا نجحت بإدارة قفل الباب الداخلي "المطبخ "ومن ثم تتصل بالجيران الذين يهرعون لنجدتها ويلقون القبض عليهم قبل مغادرتهم الشارع وتسليمهم إلى مركز الشرطة، وبعد التحقيق معهم اعترفوا أنهم يقومون بالسرقة بعد أن يجلسوا في أحد المطاعم الراقية ويراقبون من يقع عليه الاختيار وتبدأ المراقبة بعد الاستدلال على بيته الذي يصل إليه بعد تناول وجبة الطعام ودائما تكون العشاء لان الليل يسدل بستارته على الشارع ويخيم الظلام فتكون الحركة أفضل وامن للسارقين بالمراقبة.
إحصائيات متضاربة
يذكر أن إحصائية صدرت عن وزارة الداخلية العام الماضي 2012 تؤكد أن إلقاء القبض تم على 412 متهماً بجرائم السطو على الدور وخطف الأطفال وقتل الناس، وارتفاع عمليات الجرائم أدى إلى ازدياد عناصر شرطة النجدة وتسيير الدوريات التي تتجول في شوارع بغداد لمساءلة أصحاب السيارات غير المرقمة فضلاً عن تعاون المواطنين في الإخبار عن حالات السرقة، وقال مصدر امني إن هناك عناصر نسوية تشارك في عمليات سلب السيارات باستدراج أصحابها إلى أماكن معزولة.
ماستركي
يقول سلمان من سكنة منطقة الكرادة أن سيارته سرقت دون أن تتعرض إلى الكسر أو الخدش باستخدام مفتاح يدعى ماستركي يستخدمه السراق، وهو علم بذلك بعد أن تم إلقاء القبض على السارقين في احد المعارض الواقعة في منطقة البياع، إذ انه بالصدفة شاهد سيارته المسروقة احدُ أصدقائه، تعرض للبيع وعندما اتصل به حضر مع إخوته ومجموعة من الاصدقاء يحملون السلاح لاسترجاع سيارته وفعلا عادت سيارته اليه، إضافة الى فصل عشائري وصل الى خمسة ملايين دينار استبدل بها السيارة المسروقة بأخرى، ويكمل سلمان في حديثه قائلاً لو قمت بإخبار الأجهزة الامنية لما عادت السيارة وكما يقول المثل الشعبي "اخذ ليل وعتابه"
التحليل السياسي
يقول المحلل السياسي محمد منصور من جامعة النهرين في تصريح لـ(المدى) قائلاً: إن فشل العملية السياسية في العراق يؤثر وينعكس على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، كما يؤثر ذلك في انعدام فرص العمل وحاجة الشباب العاطلين عن المال إلى مصدر مالي وضعف سطوة القانون يشجعهم على الجنوح في الجريمة. فالسرقة تقود إلى القتل في حالة مواجهة صاحب المال وهنا يكون من الصعب العودة وترك السرقة، وهذا بحد ذاته احد أنواع العنف لذلك الأمر يحتاج إلى وقفة من الحكومة والمنظمات الحكومية والمجتمع المدني، لإيجاد فرص عمل مهما كان واردها المادي وحث الشباب على الدخول في دورات تثقيفية وتعليمية وإرشادية قد تساهم في الابتعاد عن الجريمة، وسبب قول ذلك ان الجرائم تنبت مع بعض الأشخاص وهذه تكبر ولا تعالج وأخرى يمكن معالجتها إن قام بها السارق مرة بسبب عوز مادي طارئ. إلا انه أكد أن ذلك لا يعد تبريراً لأعمال السرقة وغيرها من أعمال العنف التي تحدث في العراق.
الرأي القانوني
بينما علّق المستشار القانوني احمد حسن في تصريح لـ(المدى)قائلاً:  الحقيقة التي يجب أن تقال إن المجتمع العراقي يعيش الآن حالة تجعله يسأل عن حكم القانون وأين أصبح تطبيقه، فهل له سطوته أم أن الأعراف العشائرية هي ما تحل محله؟ فكيف يمكن لسارق أو قاتل أن تحل قضيته عشائريا دون تدخل القانون ! والمسألة الأخرى كيف يمكن أن تقوم العشائر بمحاسبة ومقاضاة كل من يقوم بإطلاق نار على السارق أو إصابته بجروح وتعويضه ماديا "فصله عشائرياً" والقانون أحيانا يقف متفرجاً، خوفاً من العشائر. ولما كان هذا التحوّل من حكم القانون العام المجرد العادل المتساوي إلى حكم عشائري فردي يدفعنا إلى استرجاع الماضي وشريعة الغاب. وعالج المشرع العراقي تطبيق القانون على السارق بالعقوبات الآتية:
يعاقب تطبيق قانون السرقة بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين على السرقة التي تقع في احد الظروف إذا ارتكبت بالإكراه، اضافة إلى ان السرقة اذا ارتكبت بين غروب الشمس وشروقها من شخص يحمل سلاحا ظاهرا أو ارتكبت بين غروب الشمس وشروقها من ثلاثة أشخاص فأكثر إذا ارتكبت بين غروب الشمس وشروقها في محل مسكون أو معد للسكن أو احد ملحقاته. (شددت العقوبة المنصوص عليها في هذه الفقرة بموجب المادة (1) من قرار عقوبة الإعدام لمرتكبي جرائم السرقة المنصوص عليها قانونا رقمه 1631 صادر بتاريخ 30/10/1980.
إذا ارتكبت بين غروب الشمس وشروقها في مصرف أو حانوت أو مخزن أو مستودع دخله السارق بواسطة تسور جدار أو كسر باب أو أحداث فجوة او نحو ذلك باستعمال مفاتيح مصطنعة او انتحال صفة عامة أو الادعاء بأداء خدمة عامة أو بالتواطؤ مع المقيمين في المحل أو باستعمال أية حيلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في درجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram