لا نظن أن عاقلاً كان ينتظر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الموافقة على قيام دولة فلسطينية، أو التخلي عن مواصلة بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس صحيحاً أن تصريحاته بهذا الخصوص تتعلق بحملته الانتخابية الراهنة، التي يبدو أنه سينجح في ختامها بالاحتفاظ بموقعه كرئيس للوزراء، مدعوماً بعتاة اليمين الصهيوني المتطرف، فتجربة سنوات من محاولات الفلسطينيين للجلوس معه على مائدة التفاوض، لوضع حل الدولتين موضع التنفيذ، لم تحصد غير الفشل والخيبة، والمزيد من المستوطنات.
نتنياهو عشية الانتخابات التي تجري ، أعلن رفضه للشعب الفلسطيني من حيث المبدأ، فهو لا يريد السيطرة عليهم، ولا يريدهم كمواطنين في دولة إسرائيل، كما لا يريدهم كرعايا، وهو يرفض قيام أي نوع من الكيان الفلسطيني، بذريعة أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يسعى للتصالح مع حركة حماس، التي دعت قبل شهر واحد فقط إلى القضاء على الدولة العبرية، وهو يرى أن عليه عدم "التكرم" بتسليم الفلسطينيين أية مناطق لتخضع لحكم السلطة الفلسطينية، كما تطالب بذلك حسب زعمه الأحزاب اليسارية، الذين يزعم أن همهم يتلخص في التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، بغض النظر عن مضمونه.
لا يتورع نتنياهو عن مهاجمة قائده السابق أريئيل شارون، مؤسس حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو اليوم، ويأخذ عليه تسليم قطاع غزة إلى أيدي أبو مازن، حيث سيطرت حماس على غزة بين ليلة وضحاها، وحصلت على عشرات آلاف الصواريخ الإيرانية، كما يأخذ عليه التخلي عن المستوطنات التي كانت قائمة في القطاع، ويتعهد بعدم التخلي في حال رئاسته للحكومة القادمة عن أي مستوطنات، ويزيد على هذا بتعهد آخر، وهو عدم تقييد حكومته نفسها بالبناء داخل الكتل الاستيطانية فقط، معتبراً أن الجميع يعلم أن الكتل الاستيطانية، غوش عتصيون وأريئيل ومعاليه أدوميم، ستبقى جزءاً من دولة إسرائيل.
تعنت نتنياهو المعلن، حدّ عدم اعترافه بأي حق للفلسطينيين، لا يعني بأن الآخرين في الدولة العبرية أفضل حالاً، فقد جربنا التفاوض مع قوى الوسط، وحاول الفلسطينيون التوصل إلى تفاهمات مع اليسار، وكانت النتيجة دائماً سيطرة المماطلة والتسويف من قبل الطرف الإسرائيلي، ولم يمنع كل ذلك المفاوض الفلسطيني من التمسك بالأمل، الذي عقده على المجتمع الدولي، للضغط على الجانب الآخر للتوصل إلى حل الدولتين، غير أن المؤسف أن الجميع وضعوا كل بيضهم في السلة الأميركية، وكان انحياز كل الإدارات في البيت الأبيض للفكر الصهيوني واضحاً، وسبباً مباشراً في مراوحة العملية السلمية مكانها، واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني سواء كان تحت الاحتلال أو في الشتات.
تجري الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية اليوم، وسط عدم اكتراث عربي واضح بنتائجها، إذ ينشغل المسؤولون العرب كافة بمشاكلهم، التي تتكاثر كالفطر بسبب سياساتهم، وينشغل الإعلام العربي برصد أعداد القتلى من المواطنين العرب العزّل، برصاص جيوش أوطانهم، التي دفعوا دم قلوبهم لتقويتها، على أمل حمايتهم، وحماية أوطانهم، وفي اليقين أن ما يجري في عالمنا العربي، هو ما يمنح نتنياهو القوة للجهر بعدم اعترافه بأي حقوق وطنية للفلسطينيين، ما دامت أمتهم تخلّت عنهم بهذا الشكل السافر، وما علينا غير انتظار عودة نتنياهو بطبعته الجديدة، التي لاتقل في سوئها عن القديمة التي نعرفها.
نتنياهو بطبعته الجديدة القديمة
[post-views]
نشر في: 21 يناير, 2013: 08:00 م