TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شيعة ضد الحرب.. مكسب عقد عراقي

شيعة ضد الحرب.. مكسب عقد عراقي

نشر في: 21 يناير, 2013: 08:00 م

مقالة الأمس "اعتدال شيعي خارج السلطة" جعلت الكثير من الاصدقاء يطلبون تفصيلا اكثر للمقصود. وبعضهم يأخذون عليّ انا العلماني مناصر الليبرالية، استخدامي وصف الاعتدال في نعت جهات دينية. واليوم سأحاول التفصيل "داخل قوانين التاريخ"، بأمل ان اشجع بعض الاصدقاء على وقف التفكير "خارج قوانين التاريخ".

قبل ايام كنت اعترض على عبارة كتبها اصدقاء اقدر خبرتهم وأشاركهم تصورات كثيرة، جاء فيها: "لقد ذهبت ١٠ اعوام من تاريخ العراق هباء". والمقصود الفترة التي تلت سقوط الدكتاتورية. لكنني احسب ان الفرص الهائلة التي اهدرت وصارت هباء في هذه الاعوام قابلتها مكاسب عدة سيتضح اثرها في المستقبل. المكاسب هذه هي التي ستجعل الاعوام العشرة المقبلة مختلفة بنواح كثيرة، عن الاعوام العشرة الماضية.

ان العراق يواجه احتمال حربين لا واحدة، وربما ٣ حروب. حرب مع الاكراد رسم مداخلها السلطان في ازمة طوزخرماتو. وحرب مع السنة رسمت ملامحها ازمة الاحتجاجات في مدن يائسة مثل نينوى والانبار. وحرب بين السلطان "الشيعي" وشيعة اقوياء لن يرضخوا لرؤيته في ادارة الدولة.

الاكراد والسنة قالوا انهم لن يدخلوا حربا مع الشريك في الوطن، مشترطين الوفاء بمتطلبات الشراكة المسؤولة. واعتراضات الاكراد والسنة تشبه كثيرا اعتراضات المعارضين الشيعة لسياسات المالكي. اي اننا حين نتحدث عن حرب فإن طرفيها سنة واكراد وشيعة معارضون للمالكي، مقابل كتلة بتسعة وثمانين مقعدا لديها ثلاثة ارباع السلطة وكل الجيش وكل المال. اي ان هناك اقلية سياسية "مالكية" استولت على الدولة وراحت تعيد تعريف الاشياء بلغة العنف والحروب.

وقد ادى تدخل المرجعية الى تآكل كتلة المالكي من الداخل، ويبدو حسين الشهرستاني حليفه الاقوى والمقرب من المرجعية مع نحو ٢٥ نائبا داخل دولة القانون، وهو يسحب جزءا من دعمه للمالكي ويتولى اليوم كشف "مظالم السنة" طبقا لتوجيهات المرجع الاعلى السيستاني.

ان المالكي الذي وجد نفسه ذاهبا للانتخابات بلا منجز ومثقلا بعبء السلاح الروسي الفاسد والمدن الغارقة، يحرص على تقديم صورة مشوهة لموقف الاكراد والسنة، كي يلوح بخيار "حرب شيعية" ضدهما. لكن التطور السياسي لدى الشيعة الاخرين الحاصل خلال ١٠ سنوات مضت،

جعل اطراف الائتلاف الوطني تقدم صيغا مغايرة لتقديرات المالكي. مقالات عادل عبد المهدي وتصريحات عمار الحكيم واحمد الجلبي وطاقم الشباب الشجاع في التيار الصدري، كانت اقسى المواقف التي سببت ألما لدى المالكي وأشعرته بالضعف. فهؤلاء يؤكدون في كل المناسبات، ان اربيل لم تتحالف مع انقرة ضد بغداد، وان السنة لم يطلبوا اكثر من تصحيح اوضاعهم. هؤلاء شيعة رفضوا استخدام الجيش لحل الخلاف مع كردستان، كما رفضوا ان يقوم المالكي بتحريك قوات ضد محتجي الموصل او ان يصفهم بالفقاعات. احد الزعامات الشيعية قال له بالحرف: هؤلاء شعبك، ولو كانوا فقاعات كما تزعم فهذا يعني انك مجرد حاكم للفقاعات. ان الحط من منزلة الشعب، حط من منزلة الحاكم نفسه. وهذه عبارة مسؤولة تفحم المالكي وليست مجرد مناكفة او حسد عيشة لرئيس الحكومة.

الصدر يعترف للسنة بحقهم الدستوري في انشاء اقليم. وعبد المهدي والحكيم يؤمنان كما الصدر، بأن العلاقة مع تركيا لا يمكن ان تخضع لمزاج المالكي المتقلب، الى جانب ضرورة تطبيع الاواصر مع الخليج. وكما ان السنة والاكراد اعترفوا للتحالف الوطني بأن منصب رئيس الحكومة حق للتحالف حصرا، فإن معتدلي الشيعة لا يتعاملون مع السنة بوصفهم اقلية داخل الوطن، بل بوصفهم جزءا من مليار مسلم يعيشون حولنا ويعيش الشيعة بينهم كأتباع قبلة واحدة رغم كل خلاف تاريخي. بل ان الصدر سجل سابقة عراقية ستحسب له، حين قال ان يهود العراق انفسهم اصحاب حق في البلاد، وهو موقف مدني جريء تجاوز كل الخطوط الحمراء التي وضعتها كلاسيكيات الاسلام السياسي خلال القرن الماضي.

الاتجاه الشيعي المعتدل يؤيد تغيير المالكي او تغيير نهجه. وهذا الاتجاه برهن على قدرته في كبح جماح المالكي والمساهمة في توضيح التصورات لدى الجمهور الشيعي بشكل ساعد مرجعية النجف على الحديث بصراحة حين تفاقمت الازمة.

المالكي يقوم بتعريف الازمات كمدخل للحرب، لكن معتدلي الشيعة يقدمون تصورات سياسية تنزع التوتر وتضع مدخلا لتفاهم بمستوى الوطن. ومعارضو المالكي في اربيل ونينوى والرمادي يدركون هذا، ولذلك جاء الاكراد لمنزل الصدر في النجف، ورفع السنة رايات الحسين استجابة لدعوات شيعية مسؤولة ساهمت في تنضيج خطاب المظاهرات الى جانب الرجل الحكيم العلامة عبد الملك السعدي. ولاننسى ان علمانيي الشيعة في الغالب، مع رؤية الصدر والحكيم هذه، ضد المالكي.

المطلب ليس اطلاق سراح ارهابيين ولا عودة البعث لظلم الشيعة وقمعهم كما يحاول انصار دولة القانون ان يقولوا. المطلب تغيير نهج المالكي كما قال معتدلو الشيعة بلهجة واضحة. وهذه لهجة من شأنها لو دعمت، ان تمنع اي حرب. وهذا في العمق، تحول وطني هو مكسب السنوات العشر التي لم "تذهب هباء".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. حيدر

    عزيزي سرمد. صحيح كل ماقلت فالحكومة غارقة بالفساد (ككل الحكومات السابقة) وعلاقاتها مع الدول تنطلق من ايديلوجيات وليس تبعا للمصلحة العراقية. من جهة اخرى فان الكثيريين في المدن التي سميتها يائسة يعيشون افضل من مدن منابع النفط بالجنوب وبالحقيقة مطاليبهم ليست

  2. محمد جواد سنبه

    الأخ سرمد الطائي المحترم. لقد قلت في صدر العمود مايلي : (واليوم سأحاول التفصيل داخل قوانين التاريخ ، بأمل ان اشجع بعض الاصدقاء على وقف التفكير خارج قوانين التاريخ ). انك الزمت نفسك (بالتفصيل داخل قوانين التاريخ)لتوقف بعض الاصدقاء من التفكير خارج قوانين

  3. عزيز

    مقتل أكثر من رائع يوضح أمور العراق بشكل واضح ومقروء، يسلط الضوء على القوى ومدى تفاعلها مع الحراك الشعبي ، نموذج جيد أيضاً أن دولة القانون يجب أن تقف بمسافة واحدة من مكوناته ، والأخذ بأحقية كل طرف من حقه في الوجود في دولتها دون أن يظلم أو يظلم،

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram