TOP

جريدة المدى > عام > إيليا ايرنبورغ- نقاط من سيرته الإبداعية

إيليا ايرنبورغ- نقاط من سيرته الإبداعية

نشر في: 22 يناير, 2013: 08:00 م

ولد إيليا غريغوريفتش ايرنبورغ في مدينة كييف عام 1891 وتوفي في موسكو عام 1967، وبدأ نشاطه بالمشاركة في الحركة السياسية الثورية الروسية عام 1906، وتم اعتقاله عام 1908 وبقي في السجن لمدة ستة أشهر وأطلقوا سراحه قبل المحاكمة، وفي نهاية تلك السنة أرسلته عا

ولد إيليا غريغوريفتش ايرنبورغ في مدينة كييف عام 1891 وتوفي في موسكو عام 1967، وبدأ نشاطه بالمشاركة في الحركة السياسية الثورية الروسية عام 1906، وتم اعتقاله عام 1908 وبقي في السجن لمدة ستة أشهر وأطلقوا سراحه قبل المحاكمة، وفي نهاية تلك السنة أرسلته عائلته الى باريس، وعاش هناك حوالي تسع سنوات، وابتعد بالتدريج عن النشاط السياسي (رغم انه التقى لينين وآخرين من رجالات السياسة) وأصبح (فنانا حرا – حسب تعبيره) وأخذ يختلط بالشعراء والرسامين والفنانين (الذين اشتهروا في ما بعد) مثل بيكاسو وشاغال وابولينير ...الخ، واصدر في باريس أول كتاب له عام 1910 وهو مجموعة شعرية بعنوان – (قصائد)، واصدر بعدها عدة مجاميع شعرية أخرى، وساهم في ترجمة الشعر الفرنسي إلى اللغة الروسية واصدر عام 1914 كتابا بعنوان – (شعراء فرنسا من 1870 إلى 1913)، وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى في عام 1914 أصبح مراسلاً لجريدتين روسيتين هما – (صباح روسيا) و(أخبار البورصة)، وصدرت له عام 1916 في موسكو مجموعة شعرية تناولت انطباعاته عن تلك الحرب، وصدر له لاحقا أيضا كتاب في صوفيا عام 1920 تضمن مقالات عن تلك الحرب.

عاد إيليا ايرنبورغ إلى روسيا في صيف 1917، وكان في موسكو أثناء ثورة أكتوبر البلشفية عام 1917، وكما هو حال أكثرية المثقفين الروس، لم يتقبل ايرنبورغ استخدام القوة والعنف من قبل البلاشفة، والتي شاهدها آنذاك، واصدر عام 1918 مجموعة شعرية بعنوان – (صلاة حول روسيا) عكست موقفه هذا، وأخذ ينشر مقالات معادية للبلاشفة، ويعود عام 1918 إلى مدينته كييف وينشر هناك عام 1919 إصدارا موسعا لـ (صلاة حول روسيا) بعنوان – (في ساحة الموت)، ولكنه عندما يصبح شاهدا على المذابح وإعدام الأسرى والفظائع الأخرى، يعيد النظر بموقفه الفكري ويعود الى موسكو عام 1921، ويتسلم هناك جواز سفر سوفيتياً ويسافر مرة أخرى إلى الخارج، ولا يعتبر سفرته (هجرة) كما حدث لكثير من مثقفي روسيا في حينه، بل (إيفاد إبداعي لكتابة رواية)، ويمكث فعلا في بلجيكا ويكتب رواية بعنوان – (مغامرة غير اعتيادية لخوليو خورينتو وتلامذته)، وقد صدرت هذه الرواية في برلين عام 1922، وفي موسكو عام 1923، وكتب مقدمتها بوخارين، صديقه في سنوات العمل الثوري السري آنذاك (تم إعدام بوخارين من قبل ستالين عام 1937 كما هو معروف)، وكان البطل الرئيسي في تلك الرواية هو المكسيكي خورينتو، الذي عكس فيه ايرنبورغ نفاق سلطة المال والحرية الكاذبة، ولم تطبع هذه الرواية في الاتحاد السوفيتي في ما بعد لأكثر من ثلاثين سنة، وصدرت فقط في المؤلفات الكاملة له بتسعة أجزاء في موسكو (1962 – 1967)، وتم حذف فصل كامل منها. لقد كان ايرنبورغ في تلك الرواية ضد المجتمع البرجوازي القديم طبعا، ولكنه وجد هناك عناصر مضادة للإنسانية في المجتمع الجديد.

كان وضع ايرنبورغ في العشرينيات غير اعتيادي بالكامل، إذ انه عاش في برلين سنوات 1921 إلى 1923، ثم انتقل إلى باريس عام 1924، وكان يزور روسيا نادرا، ولهذا فان الكثيرين من المهاجرين الروس المضادين لثورة أكتوبر كانوا يرفضونه في أوربا، أما في داخل روسيا فكانوا ينظرون إليه على انه (كاذب) و(دون مبادئ).

اصدر ايرنبورغ في باريس عام 1925 رواية (صدرت في موسكو عام 1927) بعنوان – (النفعي) تتناول حياة اخوين ومسيرتهما عبر الثورة، احدهما نفعي انتهازي منافق ومتملق، والآخر شيوعي نموذجي يخاف من أية خطوة تميزه عن الآخرين. ثم صدرت له بعد ذلك عدة كتب تتضمن قصصا ومقالات حول الفن وانطباعات في ادب الرحلات، وعندما بدأت الضربات الاولى ضد ادباء روس كبار مثل بولغاكوف وزوشنكو، فهم ايرنبورغ ان الادب النقدي الساخر غير مرغوب فيه في روسيا السوفيتية بقيادة ستالين، وهي آراء تحدث عنها أدباء الغرب آنذاك، وكتب عن ذلك لاحقا في مذكراته التي نشرها بعنوان – (الناس. السنوات. الحياة)، وعندما بدأت نذر الحرب العالمية الثانية، شعر ايرنبورغ بها، وبدأ بالمشاركة في أعمال ونشاطات الادباء المعادين للفاشية في اواسط الثلاثينيات ، وأصبح مراسلا في جبهات الحرب الاسبانية ( 1936-1939)، وشاهد الهجوم الهتلري على فرنسا. لقد كان ايرنبورغ يشجب الفاشية، وكان ضد القوى اليمينية في فرنسا واسبانيا، وكان يعتبر كل من لا يؤيد سياسة ستالين (باعتباره قائد أول دولة اشتراكية في العالم) ضمن فئة – (الأعداء). وقد أشار الباحث الانكليزي غولدبيرغ، الذي كتب سيرة حياة ايرنبورغ بعنوان – (النشاط الأدبي والسياسي وفن البقاء حيا) إلى خوف ايرنبورغ من أن يصبح (لاجئا في الداخل) قد أدى به الى أن يكون مرتبطا بشكل مباشر بالنظام السوفيتي آنذاك، وهكذا وافق أن يكون مراسلا لجريدة (ازفستيا) عام 1932 من اجل الحصول على موافقة بنشر روايته – (اليوم الثاني)، والتي أرسل الى ستالين وبعض أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي نسخا منها، وحصل على تقييم حماسي من النقد الأدبي الرسمي، الذي تحدث عن ميلاد (فنان جديد).

ساهم ايرنبورغ في المؤتمر الأول للأدباء السوفيت وأدى دوراً واضحاً فيه، وأرسل رأسا إلى ستالين بعد المؤتمر رسالة يقترح فيها توحيد أدباء أوربا اليساريين على أساس معاداة الفاشية، وتأييد الاتحاد السوفيتي، وقد رحب ستالين بهذه الفكرة. إن هذه الأعمال قد أنقذت حياة ايرنبورغ في تلك السنوات العجاف، ولكنها انعكست مع ذلك على إبداعه اللاحق وعلى سمعته. لقد تناول ايرنبورغ في أعماله تبرير سياسة التصنيع كما فعل شولوخوف في روايته – (الأرض البكر حرثناها) التي برر فيها سياسة التجمعات الزراعية. أدى المديح الذي قدمه ستالين لأعمال ايرنبورغ إلى – (دوران الرأس) عند ايرنبورغ، وجعله ضمن من يؤيدون لكل ما كان يجري آنذاك، ولكن ما حدث في الثلاثينيات من تعسفات ضد بوخارين والآخرين، وضد الأدباء الروس بالذات، جعل ايرنبورغ يتأمل موقفه هذا، وبالتالي حاول أن ينتقل إلى الخارج، وهذا ما حصل، وهناك، من اسبانيا وفرنسا كتب مئات المقالات حول النضال ضد الفاشية، واصدر عام 1941 رواية – (سقوط باريس)، والتي حازت عام 1942 جائزة ستالين، وعاد من باريس المحتلة الى موسكو وكتب انطباعاته عن احتلال فرنسا وشجب هؤلاء الذين تعاونوا مع المحتلين واندحار الديمقراطية الغربية، إلا انه بالطبع لم يستطع أن يكتب عن المعاهدة بين ستالين وهتلر ولا عن الاضطهادات في الاتحاد السوفيتي آنذاك. وعند بدء الحرب ضد الاتحاد السوفيتي، كرس ايرنبورغ نفسه لكتابات مقالات صحفية مضادة للنازية الهتلرية وهجومها على الاتحاد السوفيتي، وقد نشر منذ 22 حزيران/ يونيو 1941- (تاريخ هجوم ألمانيا الهتلرية على الاتحاد السوفيتي) وطوال الحرب التي استمرت 1418 يوما، أكثر من 2000 مقالة، وكانت تلك المقالات تنشر في جريدة – (النجم الأحمر) الناطقة باسم الجيش السوفيتي، وفي جرائد الجبهة الأخرى، وقد نشرت وسائل الإعلام الغربية في أمريكا وانكلترا والسويد وفرنسا الكثير من هذه المقالات. ان عمل ونشاط ايرنبورغ هذا يعتبر – ( بطولة يومية تقف جنبا لجنب مع بطولات الجنود المقاتلين في جبهات الحرب ). لقد انطلقت تلك المقالات من مفهوم محدد وواضح وهو – ان هذه حرب القضية العادلة، ولا يوجد في تاريخ المقالات السياسية شيئا – ما مشابها لهذا العمل العملاق الذي قام به ايرنبورغ، ولا بالدور والتأثير لتلك المقالات على القراء و المقاتلين في آن واحد.

اعتقد المنتصرون عام 1945، أن حياة أخرى تنتظرهم بعد الانتصار لا تشبه تلك التي كانت قبل الحرب، وهذا ما اعتقده ايرنبورغ أيضا، ولكن شهد عام 1946 حملة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ضد مجلة (النجم) ومجلة (لينينغراد) الأدبيتين، تلك الحملة التي قادها جدانوف، وهكذا اضطر ايرنبورغ إلى إيقاف إصدار كتابه الموسوم – (الكتاب الأسود)، والذي أراد نشره آنذاك.

صدرت رواية – (العاصفة) عام 1947، التي أعجبت ستالين شخصيا، وتم منحه جائزة ستالين للدولة على تلك الرواية ( كتب عنها ايرنبورغ في ما بعد أنها كانت ضعيفة ). استمرت حملة الإعدامات لأناس قريبين للكاتب، إلا أنهم لم يمسوا ايرنبورغ بسوء لأنه حائز على جائزة ستالين. نشرت جريدة برافدا في عام 1949 مقالة ايرنبورغ الموسومة- (الأحاسيس الكبيرة)، وهي مكرسة ليوبيل القائد، وكانت بالطبع مثل مقالات الآخرين، وقال عنها ايرنبورغ في ما بعد – (أنا لم أحب ستالين، لكنني ولفترة طويلة كنت اثق به، وكنت أخاف منه..)، والكلمات الأخيرة بالطبع هي مفتاح لكل شيء.

المعاناة الحقيقية لايرنبورغ حدثت عندما رفض التوقيع على رسالة الشخصيات الثقافية البارزين و ذوي الأصل اليهودي منهم بالأساس (وايرنبورغ واحد منهم) بشأن تبرير  التهجير الجماعي لليهود السوفيت الى شرقي البلاد ، وهي الرسالة التي جاءت بمبادرة من ستالين نفسه . وقد كتب ايرنبورغ رسالة الى ستالين يبين فيها رأيه حول ذلك، وانتهت القضية برمتها بموت ستالين ليس إلا، حيث بدأ العصر الذي حددته قصة ايرنبورغ الموسومة- (ذوبان الجليد) عام 1954. لقد كانت هذه القصة أول نتاج أدبي تناول بشكل مباشر الماضي القريب ، وتحدث عن الامل بالتغيير، وتم الاعتراف من قبل المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي على ان هذه القصة مضادة لعبادة الفرد، واستقبلتها الأوساط الأدبية والسياسية آنذاك باعتبارها التحدي الشعبي ضد الستالينية، وهكذا بدأ ايرنبورغ طريقه بالدفاع عن ظواهر الشعر والفن التشكيلي والمسرح ...الخ، وطرح كثيرا من الأسماء التي كانت ممنوعة في ثقافة القرن العشرين، وهكذا عادت أسماء وأصبحت معروفة من جديد بفضل نشاط ايرنبورغ هذا، ومن تلك الأسماء – تسفيتايفا و مندلشتام وميرخولد وآخرين. ونشر ايرنبورغ عام 1958 كتابه الموسوم – (الدفاتر الفرنسية)، والذي تناول فيه الانطباعية في الفن التشكيلي، وتحدث عن سيزان ورينوار ومانيه وبيكاسو...ودافع عن إبداع تشيلر وكونجالوفسكي وساريان... وأكد ضرورة تنوع الأشكال في الفن.

اعتبر ايرنبورغ أن مهمته الأخيرة في الحياة هي كتابة مذكراته، والتي بدأ بنشرها فعلا في مجلة (نوفي مير) (العالم الجديد)، إلا انه اصطدم بالرقابة التي بدأت في القيادة الأيديولوجية الجديدة للبلاد بقيادة بريجنيف، وحذفت الرقابة بعض التقييمات في مجال الفن والأدب، وقاوم ايرنبورغ ، ولكنه لم يستطع. وفقط في عام 1990 صدرت الطبعة الكاملة للمذكرات في ثلاثة أجزاء. لقد شملت المذكرات الموسومة – (الناس. السنوات. الحياة). عصرا بأكمله، وتضمنت ملاحظات هائلة وأفكار، وتناولت شخصيات فكرية عديدة في أوساط الأدب والمسرح والسياسة، بما فيها بعض الاسماء التي كانت ممنوعة لمدة طويلة. ان مذكراته هي استمرار لـ (ذوبان الجليد)، والذي بدأت القيادة مرة أخرى في محاولة لـ(تجميد) هذا الجليد، إذ بدأت متابعات المعارضين ومحاكمات الكاتبين دانييل وسينيافسكي، وقد كان ايرنبورغ ضمن الذين وقعوا على الرسالة دفاعا عنهما، وأثار ذلك حفيظة القيادة الحزبية، وبعد سنة، عندما توفي ايرنبورغ، لم تكن هناك تواقيع بعض قادة الاتحاد السوفيتي على نعيه، كما كانت تجري الأمور آنذاك.

لقد اعترف ايرنبورغ انه كثيرا ما (ضل وتاه في الحياة)، إذ انه كان بلشفيا ومعاديا للبلشفية، واستهوته الكاثوليكية بعدئذ، وأثناء الحرب الأهلية كان يميل إلى الجيش القيصري الأبيض، وبعد سنوات خدم ستالين بشكل مخلص، إلا انه بقي مخلصا لشيء واحد فقط طوال حياته ولم يتغير بشأنه وهو- حبه للثقافة وإخلاصه لها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: هاينريش بيبر والمسبحة الوردية

نادي المدى الثقافي يبحث في أشكال القراءة وأدوارها

حركة الشعر الحر وتحديث الأدب السعودي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

مدخل لدراسة الوعي

مقالات ذات صلة

مدخل لدراسة الوعي
عام

مدخل لدراسة الوعي

لطفية الدليمي تحتل موضوعة أصل الأشياء مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية. الموضوعات التأصيلية الأكثر إشغالاً للتفكير البشري منذ العصر الإغريقي ثلاثة: أصل الكون، أصل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram