TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > فاشية الشمولية الدينية

فاشية الشمولية الدينية

نشر في: 22 يناير, 2013: 08:00 م

«ما نراه الآن في مصر هو إعادة للثورة الإيرانية 1979، إذ يسير الإسلاميون في بلادكم على خطى الإيرانيين من خلال السعي لضمان أن تكون كل القوانين وأشكال التعبير الثقافي مطابقة لتفسيرهم المتشدد للإسلام، مما سيؤدي إلى إنتاج قوانين تضمن أن يكون أي مرشح

«ما نراه الآن في مصر هو إعادة للثورة الإيرانية 1979، إذ يسير الإسلاميون في بلادكم على خطى الإيرانيين من خلال السعي لضمان أن تكون كل القوانين وأشكال التعبير الثقافي مطابقة لتفسيرهم المتشدد للإسلام، مما سيؤدي إلى إنتاج قوانين تضمن أن يكون أي مرشح قادم للرئاسة خارجا من عباءتهم كما حدث في إيران».

هكذا قال الكاتب والمؤرخ البريطاني المتخصص في  شؤون مصر والشرق الأوسط جون برادلي للزميل «محمد فودة» في جريدة «المصري اليوم» .وقال «برادلي» أيضا: «لقد حل الإخوان المسلمون مكان نظام «مبارك»، لكنهم لا يختلفون عنه في القسوة، ولا يخدمون سوى جماعتهم فقط، وهناك خضوعهم الشديد للغرب، كما أن إسرائيل مازالت الحليف الرئيسي».. كذلك«هناك صفقة جرى تدبيرها بليل بين المؤسسة العسكرية والإخوان والولايات المتحدة لتحقيق هدف رئيسي، هو تهميش دور الثوار وتعميق مصالح هذه الأطراف مجتمعة».

ومتنبئا قال «برادلي» «ستغرق البلاد في عصر من الشمولية الدينية».

ولعلنا نحن المصريين الغارقين في تفاصيل ما يجري في بلادنا لا نجد من الوقت ولا الطاقة ما يساعدنا على وضع كل هذه التفاصيل في سياق بينما نجري إلى الهاوية، وها قد جاءنا باحث يراقب ما يجري على البعد ليجمع لنا كل عناصر الصورة، ويضع أمامنا مرآة نرى فيها أنفسنا وأحوالنا. جادلت صديقتي الإيرانية عالمة الاجتماع التي تعيش في المهجر حين جرت المقارنة بين أوضاعنا وأوضاع إيران وقلت لها جازمة: مصر ليست إيران فالمجتمع المدني في مصر قوي ولدينا طبقة وسطى متعلمة وتراث ديمقراطي قديم فضلا عن التاريخ الأسود لجماعات الإسلام السياسي في القيام بالاغتيالات وإشعال الحرائق.

وردت عليّ الصديقة بأسى: نحن كنا نقول كلاما مشابها قبل ثلاثين عاما، وكنا نقول أيضا إن المجتمع الإيراني أقوى منهم وسوف يلفظهم بسرعة ولدينا نحن أيضا طبقة وسطى كبيرة ومتعلمة وحديثة وتراث نضالي رائع من أجل الديمقراطية والعدالة وأحزاب ومجتمع مدني.. إلخ وقد سحقت الدولة الدينية كل ذلك وأسست حكم الملالي الذي واصل العيش حتى الآن.. وأول ما ترتب على حكم الملالي هو الإفقار الثقافي الهائل لبلد كان قد اتسم بالتنوع والتعدد وبعمق الإسهام الثقافي والفكري في إطار الإسلام ومن خارجه.

ورغم الإقرار بمنطقية التوقعات التي يسوقها لنا «برادلي» فلابد أن نضع في الاعتبار أن تجارب الفاشية الكبرى التي هزمت في النهاية هي وراءنا، أي أن دروسها بين أيدينا.

وفي هذا السياق علينا أن نسجل أن الأداة الأولية للفاشية هي العنف كوسيلة لتصفية خصومها السياسيين معنويا وجسديا وهو ما لجأت إليه فعلا قوى الإسلام السياسي الحاكم في مصر الآن لا فحسب بقتل مواطنين أمام الاتحادية وإطلاق الرصاص عن قرب على الزميل الشهيد «الحسيني أبوضيف» وآخرين لم نعرف أسماءهم، وإنما أيضا بالشبهات القوية حول تورطهم في أعمال القنص ضد متظاهري 25 يناير، وشبهات أخرى حول تورطهم في حريق القاهرة عام 1952.

أقول مع الإقرار بكل هذا فإن المجتمع المصري ليس مجتمعا ساكنا وكل واقع قائم ظاهريا يبدو وكأنه قائم إلي الأبد وثابت ونهائي لكننا نكتشف في داخله وخلف ثباته الوهمي حركة دائبة ملازمة له تدفعه هو نفسه لتجاوز ذاته في إطار الصراع الممتد علي كل الأصعدة.

وبوسعنا أن نتعرف على عمق هذه الحركة الخفية في المجتمع المصري في مواجهة الإسلام السياسي في شكل تراجع الأيديولوجيا التلقائية ذات الطابع الديني في أوساط الجماهير العريضة، فالجماهير المؤمنة لم تعد تعتبرهم رجال الله خاصة بعد تراكم الانتهاكات الفاضحة للقانون حتى من قبل رئيس الجمهورية.

فضلا عن انغماس سلطتهم في مظاهر الترف والفشخرة دون مراعاة لتردي أحوال البلاد ومعاناة الأغلبية من شظف العيش وارتفاع الأسعار، وحيث تنبئ السياسات الاقتصادية والاجتماعية للسلطة الجديدة بمزيد من الشقاء والحرمان للملايين، بينما يسعى الإسلام السياسي لتغطية هذا كله ولفه في العباءة الشمولية الدينية الضيقة.

ولهذا سوف تجد الفاشية الدينية وهي أقسى وأكثر أنواع الفاشية تعقيدا وتركيبا، سوف تجد نفسها أمام الموجة الثانية من الثورة التي مثلها مثل الموجة الأولى لن ترفع شعارا دينيا واحدا، وقد أصبحت الديمقراطية مطلبا اجتماعيا - اقتصاديا وليست ترفا للنخبة.

وسوف ينكشف على التوالي زيف الشعارات الدينية التي تاجر بها الإسلام السياسي طويلا بعد أن اختبرتهم الجماهير التي استثمروا فقرها وبؤسها، وسيكون هذا الوضع الجديد - وحتى لو لم تصل الموجة الثانية من الثورة إلى أهدافها - هو الركيزة الأساسية لمقاومة الفاشية ثقافة وسياسة، وسيصبح الصراع ضدها بقصد هزيمتها النهائية كما سبق أن جرت هزيمتها في التجارب الأخرى هو جوهر حركة القوى الديمقراطية بكل تنوعها وغناها مهما طال الزمن وتعرج الطريق، ومهما تطلب من تضحيات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram