لم تأت فكرة نظام المحاصصة الطائفية كبديل لدكتاتورية صدام، من قوى معارضة الدكتاتورية، وإنما من المطابخ السياسية للاحتكارات و للإدارة الأميركية التي كانت تتهيأ لإسقاط الدكتاتورية لتحقيق أهدافها بالحرب، بعد تجربتها في حرب تحرير الكويت من الطاغية عام 199
لم تأت فكرة نظام المحاصصة الطائفية كبديل لدكتاتورية صدام، من قوى معارضة الدكتاتورية، وإنما من المطابخ السياسية للاحتكارات و للإدارة الأميركية التي كانت تتهيأ لإسقاط الدكتاتورية لتحقيق أهدافها بالحرب، بعد تجربتها في حرب تحرير الكويت من الطاغية عام 1991 . . التي يطول الحديث عن تفاصيلها.
و إذا كانت المحاصصة حلاًّ مرحلياً للحفاظ على وحدة العراق و لقطع الطريق على قيام بديل إسلامي متطرف كان نظام ولاية الفقيه الإيراني يعدّ له وفق تصريحات المرشد الأعلى، وانعكس على موقف القوى الإسلامية الشيعية المدعومة و المضغوط عليها منه، في اجتماع الناصرية في 2003 حين كان الجنرال غارنر ممثل الإدارة الأميركية يبحث مع قوى معارضة الدكتاتورية عن تشكيل بديل الدكتاتورية بالملموس .
و كانت نتيجة توالي الأحداث أن أعلنت المحاصصة كأساس للحكم، و تداخلت بالفدرالية وصارت عاملاً زاد من تطبيق الفيدرالية عرقلة بتقدير فريق من المراقبين . . فيما حقق النفوذ الإيراني المشابه للاحتلال تقدماً هادئاً تدريجياً ،موظفاً لذلك ضجيج الحرب وإعلان الاحتلال الأميركي، ثم مقاومته في حينه . . حتى صار ملفاً يبدو و كأنه اتفق عليه بين الأميركان و الإيرانيين . . كبداية لحل مشكلة المفاعل النووي الإيراني، في زحمة ملفات المصالح الأميركية ـ الإيرانية.
إلاّ أن نظام حكم المحاصصة بالطريقة المعمول بها لم يسفر إلاّ عن تكوّن كتل متنفذة تعمل على تكريس سلطتها و هيمنتها الأنانية، مكوّنة طبقة سياسية حاكمة، الأمر الذي يهدد ببقائها و ديمومتها في أبراجها، بعيداً عن الشعب . . في خضمّ ازدياد التفرقة و تصاعد الديماغوجيا السياسية الطائفية، حيث صار المتنفذون في الحكم يدعون لوأد الطائفية و هم يعمّقونها، و أدّى ذلك في ما أدّى إلى انفراد الحكومة القائمة بسلطة القرار مدعيّة انفرادها بتمثيل الشيعة، خارقة بذلك الدستور و مؤدية إلى تدهور الوضع الأمني والمعيشي والثقافي و الحضاري للبلاد . . حيث تضاعفت نسبة خط الفقر لعموم العراقيين من 23% إلى أكثر من 35 % وفق آخر إحصائية لوزارة التخطيط !!
بعد أن وظّف مبدأ التوافق للتهدئة و إلى إبعاد تفجر المواقف، ووظّف لإدارة الصراعات و ليس إلى حلّها . . بدلاً من كونه أساساً لضمان تحقيق مصالح البلاد و لإعادة دورة العملية الإنتاجية التي توقفت فيها، بهدف تحقيق النمو الاقتصادي والسير على طريق مكافحة البطالة و تشجيع الاستثمار الذي يخدم قضية الرفاه الاجتماعي لمكونات و تكوينات البلاد . . الأمر الذي صار يهدد خطيراً بتفتت البلاد . . وأخذ يؤدي إلى تصاعد احتجاجات و تظاهرات متواصلة من جميع المذاهب والتكوينات العراقية تطالب بالإصلاح، وإلى ظهور أجيال شابة جديدة رجالاً و نساءً، سواء كانت مشاركة أو محرّكة لتلك الاحتجاجات، التي إن قابلتها الحكومة بالرصاص الحي في ربيع 2011 . . فإنها تقابلها الآن بعدم الاستجابة الفعلية ـ عدا تشكيلها لجاناً للبحث تسويفاً، بوصف العديد ـ في وقت يرى فيه كثيرون أن استمرارها دون إيجاد حلول، يجعلها تتعرض إلى اندساسات تحاول حرفها عن مطالبها بالإصلاح، من جهات متعددة سواء كانت حكومية أم خارجية أو إرهابية . . كما يفيد ناطقون باسمها ممن يحاولون الحفاظ عليها و تعميق عراقيتها و روحها الوطنية الرافضة للطائفية . .
إن دوام و توسع تلك الاحتجاجات التي تباركها مرجعية النجف و تؤيّدها قوى التحالف الكردستاني و التيار الصدري و المجلس الأعلى الإسلامي . . صار يطرح بإلحاح قضية انتشال و تقويم العملية السياسية في البلاد، و صار يتركّز على ضرورة إجراء انتخابات مبكرة بعد تعديل قانون الانتخابات . . انتخابات مبكرة وفق المادة 64 من الدستور، سعياً إلى سلامة تطبيقه و روحه، على أساس الدولة الاتحادية القائمة على : الهوية العراقية الجامعة، تكافؤ الفرص و على أساس الكفاءة و النزاهة، و التداول السلمي للسلطة و الحوار في حل المشاكل السياسية و ليس التلويح بالعنف أو باستخدامه، بإبعاد الجيش عن حل المشاكل السياسية . .الأمر الذي يتطلب الإسراع بإقرار قانون أحزاب يحدد هويتها و أهدافها و مواردها، على أساس تقبّل الآخر، و على أساس استقلال القضاء وحرية الصحافة . . فيما تضيف قوى سياسية هامة إلى ذلك ، ضرورة البدء بإجراء الإحصاء السكاني والديموغرافي بإشراف الأمم المتحدة و الهيئات الدولية و العالمية لحقوق الإنسان، لفض النزاعات على المناطق المتنازع عليها. .
و يرى مراقبون أن اتخاذ تلك الإجراءات، مدعومة بحركة جماهيرية سنية شيعية كردية عراقية بمكوناتها المتعددة التي تتصاعد و تنتظم، و التي يمكن أن تكون منطلقاً لكسر الحواجز الطائفية بتوحيد المطالب و الجهود في العمل من أجل إجراء إصلاح سياسي جذري بالوسائل الدستورية السلمية ، إصلاح من شأنه إنهاء المعاناة المشتركة لجميع المكونات، من انعدام الكهرباء والماء الصالح للشرب ونقص الخدمات الأساسية للعيش الإنساني الكريم، و سنداً قوياً لدولة قانون حقيقية.
و ترى أوساط تتسع أن تحقيق ماسبق هو الذي يمكن أن يحقق مصالحة اجتماعية وطنية ثابتة، تمهّد لانتقال تدريجي من الدولة الطائفية التحاصصية إلى دولة اللا طوائف في الظروف الإقليمية الجارية، الدولة المدنية الاتحادية الديمقراطية . . دولة المواطنة.