عند الوقوف أمام موضوع إعادة دور القطاع الخاص العراقي، يجب علينا البحث أولا عن معالجة المعوقات والظواهر السلبية كالبطالة وارتفاع معدلات الفقر وغياب مظاهر التنمية الاقتصادية الحقيقية وغيرها من التي لها مساس مباشر بحياة المواطن العراقي والتي تندرج في خا
عند الوقوف أمام موضوع إعادة دور القطاع الخاص العراقي، يجب علينا البحث أولا عن معالجة المعوقات والظواهر السلبية كالبطالة وارتفاع معدلات الفقر وغياب مظاهر التنمية الاقتصادية الحقيقية وغيرها من التي لها مساس مباشر بحياة المواطن العراقي والتي تندرج في خانة الأكثر أهمية في هذا الموضوع، من اجل الخروج بنتائج أكثر منطقية نتبناها للنهوض بواقع القطاع الخاص.
المدى حاورت في هذا الموضوع الدكتور توفيق المانع الخبير الاقتصادي في المكتب الدولي للاستشارات والدراسات، لبحث واقع وطبيعة القطاع الخاص في الوقت الراهن ومدى مساهمته في النشاط الاقتصادي الحالي وأسباب تراجع مستواه وأدائه في مجمل العملية الاقتصادية، والمعوقات التي تعترض نموه وغيرها من الأسئلة والمحاور المهمة.
*كيف نحدد المصاعب أو المعوقات للقطاع الخاص؟
- من الضروري أن يصنع القطاع الخاص هويته الوطنية التي تأخرت حتى الان من دون ان يتضح الاتجاه الذي تسير به البلاد و لا أجد حرجا من القول بان المورد الوحيد للبلاد من العملة الصعبة هو الثروة النفطية وان من المؤسف حقا ان هذه الواردات ذهبت في السنوات الماضية لتغطية النزعة الاستهلاكية العشوائية من دون ان تسهم في دعم الأبنية الاقتصادية الأخرى او رفع مستوى العديد من الشرائح الوطنية، وان معالجة السلبيات التي تعترض عمله كفيلة بإعادته لدوره الريادي في العملية الاقتصادية مما يتطلب تحديد أهداف اقتصادية ثابتة ومدروسة وهو أمر غائب حتى الآن لا سيما في توجيه الاقتصاد العراقي نحو الاقتصاد التنافسي الحقيقي، ومراجعة القوانين التي جعلت القطاع الخاص عاجزاً عن تنمية الاقتصاد وهدمت الأسس والقواعد التي من الممكن الارتكاز عليها للشروع بالاستثمار أو الإعمار وتشيد البنى التحتية، كما ان على العراق تقديم التسهيلات والدعم اللوجستي للقطاع الخاص في التخطيط لعودة الرساميل العراقية إلى البلاد و الاستفادة منها في دعم العملة العراقية، ووضع البرامج الكفيلة بتشغيل البنى التحتية في المجالات التي لا يرغب القطاع الخاص الاستثمار فيها، ومعالجة البطالة والحد من التذمر الشعبي من تدني الخدمات العامة، اذ يجب أن يكون هنا دور كبير للقطاع الخاص والمستثمر الأجنبي ولا يعتمد على الحكومة وحدها، وتحديد الخطوط الاستثمارية التي يسمح لرأس المال الوطني بالاستثمار والعمل فيها وتحديد مجالات الاستثمار حسب نوعية الطلب والحاجة لسلعة معينة في السوق المحلي ولا علاقة لها بأي جهة والمستثمر هو الجهة التي تختار الطريق المناسب لتحقيق إرباح عالية.
* ما هي السبل الكفيلة بالحد من التحديات لدوران عجلة القطاع الخاص ومشاريعه؟
- إذا كنا نريد أن نعمل أي شيء فعلينا إيجاد المؤسسة التي تقوم بذلك وعلاج نشاط القطاع الخاص في الخروج من العشوائية الى التخطيط والأهداف الواضحة و هو بالطبع من واجبات البرلمان ووزارة التخطيط ووزارات أخرى مثل التجارة والمالية وغيرها، التي يجب أن تتدخل فور تطبيق هذه الأنظمة مستفيدة من تجارب الدول التي خرجت من الحروب وضرورة العودة إلى نظام تقيم الأداء وفق المعايير المتبعة دوليا، وإعادة النظر بموضوع هيئة النزاهة التي غلب عليها الطابع القضائي بل يكون الهدف الأول للتقييم والتأكد من تأثيرها على الأداء للفترة السابقة ووضع أسس ومعايير للمفتشين العامين، لاسيما في الدوائر التخصصية ، وإعادة النظر بشموليتها لكل الوزارات والشركات العامة، رأيي أن تكون هيئة النزاهة موجهه للأداء وترفد بذوي الاختصاص، وتبتعد عن تقيم وتدقيق الحاصل لأنها من مسؤولية الرقابة المالية وليس النزاهة، فعلى سبيل المثال من هي الجهة التي تراقب السوق والأسعار ومن هي الجهة التي تعمل على توازن الأسعار والسيطرة عليها، حتى في الدول التي تعتمد على أساس النظام الرأسمالي أو السوق يكون للدولة دور في مراقبة الأسعار والمحافظة عليها من تقلبات السوق وسياسة التجار المحتكرين عن طريق الدعم للأسعار في حالة النقص أو انخفاض العرض وازدياد الطلب، وهو ما يحدث في الأزمات الاقتصادية أو في المناسبات كانت وزارة التجارة تراقب الأسعار، وكذلك تقوم بالموازنة وتوفير السلع من خلال الأسواق المركزية، إلا أن هذا الدور انتهى لتترك الأسواق المركزية من دون نشاط ولم تقم بتطوير عجلة العمل وبقيت مخازن وزارة التجارة كما هو الحال في البصرة في منطقة الكزيزية مهملة، إما في ما يتعلق بالأسواق المركزية فيمكننا الرجوع على سبيل المثال إلى سوق الثلاثاء في بغداد عندما تنظر إليه تجده مجمعاً يعاني الإهمال في حين هو موجود في اكبر منطقة فيها كثافة سكانية في بغداد.
* هل القروض المالية أسهمت في حل مشكلة تدوير عجلة أعمال القطاع الخاص؟
- لا اعتقد أن القروض المالية أسهمت في تدوير عجلة أعمال القطاع الخاص باستثناء قطاع العقارات الذي لا يزال يراوح في مكانه والسبب هو التوجهات الاستهلاكية والتجارية بنحو اكثر من الإنتاجية والخدمية، وصحيح أن القروض المصرفية مهمة للغاية في دعم القطاع الخاص ويجب أن توفره لهم المصارف من بدون حدود لسهولة وقصر دورة رأس المال في هذه المجالات، وغني عن البيان أن التوجهات التجارية ساهمت في هجرة رأس المال العراقي إلى خارج البلاد وعلى الدولة ان تحدد القطاعات التي ستحظى بدعم من الدولة بعد وضع الأهداف الاقتصادية والسياسية المناسبة لهذه العملية.
* ظهور طبقة اجتماعية جديدة امتلكت الكثير من الأموال ..!!
- والغريب إن بعد 2003 تولدت طبقة كونت لها أموال كبيرة لكنها قامت بإرسالها إلى خارج العراق لأغراض استهلاكية بحته أو للاكتناز والاستفادة منها من قبل دول الجوار وحرم منها الاقتصاد العراقي والتنمية العراقية، ومرة أخرى من المهم جدا أن تفهم أن رأس مال القطاع الخاص هو حر ويتنقل من بلد إلى آخر بحثا عن الأرباح العالية المضمونة في بيئة اقتصادية مستقرة وآمنـــة مع توفر ولو جزء يسير منها دعم المصارف الخاصة.
* ما هو مستقبل القطاع الخاص في العراق؟
- إن مستقبل القطاع الخاص في العراق تحدده إمكانية الإجابة في حال كانت هناك مؤسسات متخصصة وأهداف واضحة ورقابة مناسبة ومنافسة حقيقية، فسيخرج من أزمته القاتلة وسيسهم في معالجة المشكلات الاقتصادية في البلاد، اما في حال ترك للعشوائية فسيكون تابعا للمخططات التي لها باع أطول منه في هذا المنوال، وهو ليس سرا بل انه قانون الحياة وان التحدي الحقيقي هو التطور بالاتجاهات التي تؤدي إلى التقدم والاستقرار والمباشرة بالتنمية الاقتصادية الحقيقة وحسب أولوياتها بدأ من الاهتمام برأس المال البشري العراقي ورأس المال المطلوب للتنمية، وعلى الطبقات المكتنزة للمال في الداخل والخارج توجيه أموالها نحو البناء والتنمية، أما المكتنزون في داخل العراق فالثقة عندهم تكون معدومة بالمصارف المحلية بسبب بقائها في حالة ركود وعدم تطوير أدائها، حيث أن السياسة المالية في العراق تراجعت إلى أدنى المستويات وبكل الاتجاهات منذ تأميم المصارف في 1964 وزاد في الطين بلة الإجراءات التي اتبعت خلال الحصار وحتى الآن.