ضمن المتابعات الإعلامية في البرامج الحوارية بمناسبة الذكرى الثانية للثورة المصرية..اكثر ما يُثير الدهشة مناشدة مُقدميها للجماهير الغاضبة في الشوارع و الساحات عدم اللجوء الى العنف وتخريب المنشآت العامة!! بينما على ارض الواقع كل المؤ

    ضمن المتابعات الإعلامية في البرامج الحوارية بمناسبة الذكرى الثانية للثورة المصرية..اكثر ما يُثير الدهشة مناشدة مُقدميها للجماهير الغاضبة في الشوارع و الساحات عدم اللجوء الى العنف وتخريب المنشآت العامة!! بينما على ارض الواقع كل المؤشرات كانت تتجه نحو توقع حدوث العنف ,بل ان المشهد المصري ينتظر ارتفاع حدة هذا العنف و إراقة الدماء في كل الاحداث القادمة..وهي كثيرة.  البداية السلمية لمشهد يوم الجمعة الماضي داخل ميدان التحرير و اكثر من عشر تظاهرات انضمت اليه , لم تكن سوى رماد يخفي غضب شارع تحولت شرايينه الى انابيب ديناميت تتفجر نتيجة اقل شرارة.. حشود ميدان التحرير الهائلة اعادت الى ذهني المشهد الذي رأيته منذ عامين بكل تفاصيله –قبل ان يقتحمه الاخوان يوم 28 كانون 2011 – لوحة "موزاييك" من مختلف شرائح المجتمع المصري.. الثقافية, الاجتماعية, السياسية,و الشعبية... في هذه المساحة, بعد ان تشعبت و تفرعت المطالب خلال عامين , عادت الاصوات الهادرة تصرخ بمطلب واحد و هدف واحد.. اسقاط  محمد مرسي و حُكم جماعته.. بينما المشهد الأخطر عند قصر الرئاسة -الاتحادية- هو مغادرة مرسي و عائلته القصر قبل يوم الجمعة .. مما يُسقِط آخر ورقة توت عن جسد شرعية رئيس يهرب من مواجهة صوت الشارع الذي توحّد على مطالبته بالرحيل. احداث العنف بلغت اعلى درجاتها في محافظتي السويس و بورسعيد حيث بلغ عدد الضحايا العشرات.
ابرز الملاحظات و المُستجدات التي ظهرت خلال هذا اليوم.. و جميعها تُنذِر ان القادم أخطر, التزام الاخوان و الحكومة و الرئاسة الصمت التام امام الاحداث.. و هذه الجهات ما زالت تمارس لُعبة خداع النفس بانها وحدها تملك قدرة السيطرة على احشاء الشارع.. بينما واقعيا, هم يسيرون بدقة متناهية على نفس الطريق الذي ادّى الى ثورة 25 كانون الثاني.. و يستحضرون نفس الممارسات الغبية.. لأن ملاعبة المصريين بالدين و تحويله الى مخدّر يُسكّن غضبهم قد تنجح مرة و ليس مرّات...
التواجد الأمني على احد اطراف ميدان التحرير بدا مُستنفرا و رد بعنف على محاولات تحطيم الجدار الخرساني المقام عند احد المداخل التي تؤدي الى وزارة الداخلية و مجلسي البرلمان و الشورى.. لكن ارتباكه امام الحشد الهائل الذي حوّل الميدان الى كتلة بشرية متلاحمة, دفعه الى فض الحشد قبل منتصف ليل الجمعة بالقاء كمية مكثفة من القنابل المسيلة للدموع.. بينما تدخل الحرس الجمهوري لمنع المتظاهرين من اقتحام الاسلاك الشائكة التي تُحيط بالقصر الرئاسي, خلافا لما حدث منذ عامين حين رفض هذا الحرس التدخل امام المظاهرات التي اتجهت نحو القصر مطالبة مبارك بالرحيل.
في مواجهة العنف الذي هددت به و بدأت ممارسته فعليا ميليشيا الاخوان, لفت النظر ظهور اول تنظيمات سرية شبابية اعلنت انها ستكون دروع و سيوف المتظاهرين السلميين و تهدف الى التصدي و الهجوم على مظاهرات التيارات الاسلامية و مقراتها حال تعرض تجمعات الثوار لأي اعتداءات.. و قد اكدت حركتا "بلاك بلوك"و"بلاك ماسك" مصداقية وجودهما فعلا عبر حرق عدة مقرات للإخوان.. الاّ ان المعروف عن هذه التنظيمات و افرادها قليل جدا لحرصها على العمل في اطار سرية تامة و امعانا في الغموض تُميّز افرادها بارتداء أقنعة و ملابس سوداء.
تكتلات شبابية اخرى تمتاز بالتنظيم الدقيق و القوة هم "الالتراس" او مجاميع مُشجعي فرق كرة القدم في النوادي الشهيرة.. هذه الجموع اصبح لها دور سياسي و جماهيري في مساندة شباب الثورة .. لعل القضية التي عرفت اعلاميا باسم"مذبحة بورسعيد" و التي شهدت مقتل 72 من التراس نادي الاهلي ذهبوا لتشجيع فريقهم اثناء مباراة اقيمت في مدينة بورسعيد .. صدور الحُكم في هذه القضية يوم السبت باحالة اوراق 21 متهما الى المفتي, اطلق غضب التراس بورسعيد .. خلال دقائق اشعلوا المدينة بكل مظاهر العنف احتجاجا على الحُكم.. بل و حاولوا اقتحام السجن لإطلاق سراح المتهمين.. مما استدعى تدخل الجيش –لاول مرة بعد ان اختار العودة الى ثكناته و ممارسة دوره الأمني بعد تسليم السلطة الى مرسي- كما تدخلت قوات من الجيش الثاني في مدينة السويس.
يتفرع سيناريو الأحداث القادمة بين عدة توقعات.. في إطار التخبط الأمني , الى متى ينوي الجيش البقاء في مواقع القيادة الخلفية مكتفيا بتصريحات عن انحيازه لحماية أمن شعب مصر.. هل يترقب قادته تصاعد ملامح ثورة الجياع التي بدأت التكشير عن انيابها لتمزق جسد شعب منهك اقتصاديا لم تعد تصلح معه مراوغة التهدئة بالمسكنات ..إذ ان الاحتياطي النقدي المصري مهدد بالانحدار الى الصفر خلال ثلاثة اشهر.. والحلول المرّة امام الجماعة بالرضوخ الى طلبات صندوق النقد الدولي القاسية مقابل الموافقة على منح مصر القرض الذي طلبته.. هذه الشروط التي ستؤثر مباشرة على اسعار السلع والمتطلبات الحياتية اليومية للمواطن البسيط