ثمة مجموعة من الحقائق الساطعة، يتم تجاهلها عمداً، وهي تتعلق باللاجئين السوريين من جحيم الحرب في وطنهم إلى دول الجوار، ونتحدث هنا تحديداً على من لجأ منهم إلى الأردن، ومعظمهم من سكان جنوب سوريا، الذين تربطهم صلات قربى بالأردنيين في المناطق الشمالية من البلاد، حتى أن بعض العشائر تتواجد في الدولتين، إضافةً إلى علاقات اقتصادية ذات طابع خاص، كانت نشطة على جانبي الحدود، ووصلت اليوم إلى حدودها الدنيا ملحقة الخسائر بالجانبين، ومع هؤلاء ثمة من فرّ إلى الأردن من دمشق وحمص وحماة، بسبب علاقات قربى تربطهم بعائلات أردنية صاهرتهم، لكن المأساة هي في من وجد نفسه معزولاً في مخيم اللجوء في الزعتري، وهو مخيم أقيم في منطقة صحراوية معزولة، وباعتراف الأردن فإنه يفتقر إلى الخدمات الأساسية المطلوبة للحياة الإنسانية.
حمّل المخيم الذي تجاوز عدد ساكنيه السبعين ألفاً، الحكومة الأردنية مسؤوليات هي غير قادرة على الوفاء بها، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، وكان الأمل أن يتحرك المجتمع الدولي، بحكم مسؤوليته الأخلاقية، وأن يتحرك المسؤولون العرب الذين تضخمت ثرواتهم إلى حد مفزع، وأن يتنادى المواطنون العرب لمد يد العون لهؤلاء الذين تقطعت بهم السبل، فوجدوا أنفسهم معزولين في الصحراء، وكأنهم فرّوا من موت عاجل كان يطاردهم في وطنهم، إلى موت بطيء يعانونه في المخيم البائس، صحيح أن بعض الميسورين من الأردنيين قدموا ما باستطاعتهم، لكن ذلك غير كاف على الإطلاق، وفي كل المجتمع العربي تبلد الإحساس بشكل يدعو للشفقة على كل شعارات التضامن القومية والإنسانية، حتى بدا المواطن العربي وكأنه يتفرج على مأساة في مجاهل إفريقيا.
الفاقدون لأبسط القيم والأخلاق الانسانية، المتاجرون بشرفهم، كانوا بانتظار فرصة الضعف الإنساني التي مرّ بها السوريون في مخيمات اللجوء، والباعث على الغضب لجوء هؤلاء إلى " الشرف" للمتاجرة به مستغلين حاجة اللاجئين "لستر" بناتهم فحصلت حالات زواج صوري غير موثق قانونياً، وإن كان شرعياً، حيث يدور الحديث عن عملية رقيق أبيض، فبعض الأزواج الذين تنافخوا شرفاً، وهم يعقدون قرانهم على اللاجئات السوريات، تبخّروا بعد أن قضوا وطرهم، والبعض الآخر تصرف وكأنه اشترى رقيقاً، والأسوأ هو من تاجر بزوجته محولاً المسكينة إلى سلعة، يبيعها لمن يقل عنه شرفاً ومروءة.
يقف الأردن اليوم أمام حالة متفاقمة، مع لجوء أكثر من خمسة آلاف سوري يومياً في الفترة الأخيرة، ولايملك غير مناشدة المجتمع الدولي والأمم المتحدة، للقيام بواجبها الإنساني تجاه تدفق اللاجئين السوريين، بينما هو غير قادر على استقبال المزيد إذا لم تقدم له المساعدات الكافية لسد احتياجاتهم، وهو سيجد نفسه في آخر الأمر مجبراً على إغلاق حدوده في وجههم، بعد أن اقتصر دوره على تأمين وصولهم إلى أراضيه، دون أن يتورط في أي عمل عسكري، ودون أن يتخلى عن واجبه الإنساني في مساعدتهم على الاستقرار في بلادهم، وهو يدرك أن النظام السوري يدفع هذه الأيام بكل قوته للسيطرة على المناطق الحدودية ، فيما يصر الجيش الحر على إنهاء تواجد قوات النظام ويشن مزيداً من الهجمات، وفيما تستعر المعارك عند الحدود يتزايد تدفق اللاجئين، والفرجة هي السمة الغالبة على المجتمع الدولي والمسؤولين العرب، الذين ألقى بعضهم بالفتات، والأثرياء العرب المنشغلين منذ اليوم بالإعداد لعطلاتهم الصيفية.
لاجئون ولا معين
[post-views]
نشر في: 26 يناير, 2013: 08:00 م