في طفولته كان ابني زيد يشكو من آذار وغيث اللذين يكبرانه بنحو ثلاثة أعوام. الأخيران ابنان لصديقين عزيزين. وكنا نخرج كعوائل في سفرات ترفيهية كل نهاية اسبوع. وفي كل مرة كان زيد يأتيني متضايقا: ما بك يا ولدي؟ كان جوابه المعتاد: أيضا رتَّبا "خطة" ضدي! يبدو ان احدى تسلياتهما في تلك الأوقات كانت اللعب بأعصاب صاحبهما الأصغر منهما سنا. وهذه اللعبة المزعجة لزيد كان يسميها "خطة". وبلغة السياسة هذه الايام تسمى "أجندة".
المسكين زيد لم تكن لديه وسائل دفاع وهجوم كافية لفضح تلك الأجندة واسقاطها. فكان يلوذ بي لأقوم بالواجب وأعيد الثلاثة الى اللعب بسلام. ولحسن الحظ فإن أدواته الدفاعية والهجومية كانت بذلك بسيطة ومحدودة. وإلا ماذا كان سيحدث لو وُضعت بين يديه قوى ضاربة شأن العديد من حكامنا صغار العقول؟
حين تظاهر الشباب المصريون في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 كانت "أجندتهم" تتلخص بالحد من العنف الذي اعتادت قوات الأمن المركزي استخدامه ضد الموقوفين والمتهمين على اختلاف أنواعهم. كان هدف المتظاهرين واحدا لا غير وهو ايقاف التعذيب، الذي أدى في الحادثة الشهيرة الى مقتل الشاب خالد سعيد. لكن مبارك لم يصدِّق ان "الأجندة"هي هذه فقط، فواجههم بالقوة التي يفتقدها زيد، وهم بدورهم زادوا مواد "أجندتهم"، ورفعوا سقف مطالبهم الى الذروة حتى اسقطوا النظام.
خليفته د. محمد مرسي يكرر نفس "الخطة". الناس تتظاهر وتحتج، بأكثر مما فعلت ايام مبارك، لتحسين ظروف حياتها التي ساءت بعد الثورة. والرجل "يشك" بوجود "اجندة" تحرِّك الجماهير، فيختبىء وراء قوات الأمن. أحد الرجال الشعبيين المتألمين ظهر على احدى الشاشات التي تغطي تظاهرات الذكرى الثانية للثورة، وقال بحرقة موجها كلامه لمرسي: يا عم شغِّل عقلك، سيب المرشد، سيب الأخوان، سيب السلفيين، يا عم شوف مصر!
لكن "أجندة" مرسي تعميه عن رؤية مصر. وأجندته هي الاستحواذ على السلطة التي صارت باليد. اما مصر بكل بشريتها وهمومها وآمالها ومخاوفها فإلى الجحيم.
صاحبنا المالكي لا يقل عن صاحبيه ولعا بـ " الأجندة". السنة في العراق قاموا عن بكرة أبيهم يحتجون في تظاهرات عارمة. وهي الأخرى بدأت، كما بدأت آخر ايام مبارك، رد فعل على التعذيب المعمم. ومع السنة تضامن شيعة وكرد. ثم زادت مطالبهم واشتدت. وهو بدوره لا يرى في احتجاجاتهم المتصاعدة سوى "أجندة" خارجية، ويحمي نفسه منهم أيضا بالإختباء خلف قوات الجيش والشرطة.
عجيبة كلمة "اجندة" هذه. لماذا يعتقد المالكي أنها تهمة ساحقة؟ وكيف صارت عنده أشبه بتعويذة حامية وعامِية.
أجندة!
يا عمي "أجندة" نعم. آذار وغيث كانت لديهما أيضا أجندة ضد زيد. لدى المالكي كذلك "أجندة" أوضح من الشمس. خصومه أو منافسوه في العملية السياسية لديهم "أجندات" قد تكون مماثلة أو مختلفة. وكل مواطن معذب ومتألم لديه "اجندة" بحث عن الخلاص، ولو كلفه ذلك الاستعانة بالشيطان. ألم نمد ايدينا أيام المعارضة الى الصغير والكبير من بلدان العالم سعيا الى انقاذ العراق من صدام! وهل كانت الولايات المتحدة تستطيع غزو البلد لولا أن "أجندة" أهله في الخلاص من جلادهم كانت أرجح من "أجندة" مقاومة الغزو؟ يا عمي فتح عينك، وانظر الى أبعد من قناة (آفاق)، يا عم شوف العراق!
جميع التعليقات 2
ناظم
وولي نعمتك فخري خالي اجنده صار ايحب اهل الانبار مو جنه نحترمكم والله انفضحتو اشويه كبروا نفوسكم شوفو البلد وين يتجه من وره النفخ بعقول الصغار زشفتهم اللي ضربو السيطره بالانبار جانو مراهقين حتى مو شباب هذوله منين ايعرفو الحقوق والحريه والديمقراطيه اللي يه
هند
وانت الاجندة مالتك شنو؟ اصرف ما في الجيب ياتيك ما في الغيب؟ بعين ليش تحاولون ان توهمون الناس ان الشيعة مرتاحين للوضع بالانبار؟ العراق ينظر بقلق ولا يعرف ماذا يريد هؤلاء؟ مطالباتهم لاتتعلق الا بهم وبحزب البعث الظاهر اشتاقيت حضرتك للبسطال.