جميع عوامل النجاح والتقدم لعراق مزدهر متوفرة من الناحية الموضوعية، حيث لدينا أرض ومياه ونفط وغاز وخبرات وتجارب في الزراعة والصناعة والسياحة بنوعيها التقليدي والديني وفي الآونة الأخيرة ازداد الإنتاج النفطي بفضل التراخيص والطلب العالمي ولم تسحب قاطرته القطاعات الثلاثة (زراعة، صناعة، سياحة) بحيث تشكل هذه القطاعات نسبة 10% من الموازنة ويعزى السبب لأسباب مختلفة معروفة.
فمثلاً قطاع التعليم والتربية حاز نسبة (23 ر 9 %) من الموازنة و(87%) من هذه النسبة هي تشغيلية مضغوطة إذ ما زالت بعض المدارس لديها شواغر والتعليم رائد المشاريع الإستراتجية. أما البيئة والصحة فقد حازت بنسبة (93 ر4%) من الموازنة وهي أيضاً تستثمر في الإنسان استراتيجيا ونصيب قطاع الإسكان والتشييد (18ر1%) من الموازنة هذه المشاريع جوهر الستراتجية بعيدة المدى. في حين الميزانية تخطط بعجز وتنفيذ بفائض وهكذا الصناعة والزراعة ما زالت تحبو خلف التعليم والصحة والبيئة والسكن، ناهيك عن نسيان صندوق الأجيال.
تصب جميع هذه التراجعات حسب الخبراء والمخططين في خانة الإرادة الوطنية الموحدة عراقياً. فما الذي يعرقل ويشل الإرادة تلك. لا شك في أنها عوامل غير سرية لكي تدفعنا فقط إلى نظرية المؤامرة فالمكشوف مثلاً أن النخب السياسية تعاني أغلبها أو قسم مهم منها على الأقل من أمراض تحبط وتجهض الإرادة عملياً ونظرياً. فازدواج الجنسية من المؤكد أنه يأكل في جرف الوطنية ويشلها. وهكذا بالنسبة لمزوري الشهادات بأي صيغة من الصيغ فإنه يشكل أيضاً تدميراً لشخصية المتصدي للمشروع الوطني نتيجة هذه العاهة والنقص ثم الفاسد أيضاً يحمل عاهته أينما يذهب وتقصر لسانه ويده في أي ممارسة نظرية أو عملية، وهكذا بالنسبة مثلاً للمستفيدين من كوبونات النفط مقابل الغذاء أيضاً لا يسعهم أن يتطاولوا أو يزايدوا إلا على أمثالهم وهؤلاء وجميع من تلوث بفساد قديم أو جديد وهذا لا تخلو منه أطراف الإرادة الوطنية المفترضة من قريب أو بعيد فانعكست الإرادة فساداً. وكانت نتائجها وخيمة من خلال دفع الديون البغيضة لا ناقة وجمل للعراقيين بها سواء (حرب إيران أو الكويت). وترتب بعد ذلك الاستيراد البغيض الذي تجسد باستيراد ماء الشرب والتمور والمشتقات النفطية التي شكلت لقرون متعددة هوية عراقية (ماء الفرات، وتمور العراق) أما مشتقاتنا فهي أقدم إنتاجاً من أغلب جيراننا الذين نستورد منهم الآن.
الم تكن الإرادة الوطنية مشلولة بحيث نشتري كل شيء اللهم إلا النفط الخام. الذي يشلها أكثر الآن مجسداً ومعبراً عن العاهات السابقة هو عدم تقديم الذمة المالية لأصحاب الدرجات الخاصة أو النخب والمفروض أنها نواة الإرادة الوطنية أيضاً هذه النقيصة المعيبة لا تجعل صاحبها يهمه كثيراً التعليم العالي أو التربية وصندوق الأجيال أو حتى صندوق الإسكان وكذلك الصحة والبيئة.
ثم أن هذه الإرادة الملغومة بالفساد أو التواطؤ عليه مهما كانت الاعتبارات أيضاً ينقصه الأقدام فهل مثل هذه الإرادة يهما مثلاً مشروع الفاو الكبير والحوض الجاف أو العمل على استعادة أموال النظام السابق وكوبونات النظام ومتابعة تحصيلها من مرتشي الداخل والخارج الذين فروا بأموالهم وهم من النخبة السياسية الحالية لذلك فأن مشاريع مكافحة الفقر والإسكان للعشوائيات لا تشكل هماً وطنياً للذين تشوبهم شوائب الفساد وازدواج الجنسية ومختلسي المال العام والمزورين بشهاداتهم الدراسية. وحتى الذين لم يقدموا ذممهم المالية واستمرارهم بأعمالهم ليس مجرد عملية إحباط لإستراتجية البلد بل تدمير ونشر عدوى شوائبهم على من تبقى. ترهيباً وترغيباً أنها مشاريع تضبط إيقاع الاقتصاد والسياسة خصوصاً إذا ما توجت بمشروع صندوق الأجيال الذي لا يعني من وجد مكاناً غير العراق وطناً وهم ليسوا قليلين.