TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > غيلان السياسة

غيلان السياسة

نشر في: 27 يناير, 2013: 08:00 م

عدم تحديد ولايات رئيس أي سلطة تنفيذية، يغريه بفعل كل ما من شأنه أن يبقيه جالساً على كرسي الرئاسة، ولأنه رئيس للحكومة، فهذا يعني قدرته على توظيف قوة ومال الدولة لخدمة هذا الغرض الشخصي.. هذا ما يمكن أن يحدث في أي بلد "ديمقراطي" لا تتحدد فيه ولايات رأس السلطة.
من الطبيعي جداً أن يكون السياسيون مصلحيين، ومن الطبيعي أنهم يسعون لكسب ود من يعتقدون أن بيده توزيع مناصب ومكاسب البلد. فإذا تأكدوا بأن السلطة باقية تحت هيمنة رجل واحد فهذا الأمر من شأنه أن يدفعهم إلى تقديم التنازلات له، وتقديمهم التنازلات يمنحه المزيد من القوة والنفوذ، الأمر الذي يخلق لنا غولاً سياسياً لا يستطيع أحد الوقوف بوجهه، وهو السبب الذي جعل المالكي قادراً فيما سبق على تفتيت كل التحالفات التي تشكلت ضده، فما دام احتمال بقائه في منصبه كبيراً لن يجرؤ أحد على الوقوف بوجه رغباته، لا من السياسيين ولا من القادة الأمنيين ولا حتى من القضاة. فالكثير من هؤلاء يرفض مواجهة خوفه من أن يحرمه المالكي من منصب أو مكسب أو جاه.
ما استخدمه المالكي ضد خصومه فيما سبق سيجد نفسه بمواجهته في اللاحق من الأيام، حيث ستواجه كتلة دولة القانون خطر الضعف أو التفكك، فكما أن سياسيي القوائم الأخرى كانوا يحرصون باستمرار على كسب ود المالكي ضماناً لمصالحهم، وكما أن المالكي استثمر هذا "الضعف" بتفتيت كتل خصومه، فإن بعض سياسيي تحالفه سيبحثون من الآن عن رئيس الوزراء المقبل ليقدموا له فروض الطاعة، وسيحسن غرماؤه استثمار نقاط الضعف في كتلته بالضد منه.
إذن صار بمتناول الديمقراطية العراقية حقنة مقويات جيدة، يمكنها أن تأخذها بعد أن تتجاوز الشوط الأخير؛ وهو شوط الطعن بدستورية قانون ولايات الرئاسات الثلاث عند المحكمة الاتحادية، فهنالك مخاوف كبيرة من أن هذا القانون سيلقى حتفه هناك، وإذا فعلتها المحكمة وأفتت بعدم الدستورية فستكون قد ذبحت القضاء العراقي بغير سكين. فليس هناك أي مكان للديمقراطية في بلد يهيمن عليه غول سياسي لا حدود لصلاحياته. لكن هل يمكن لنا اختصار كل مشاكل العراق بالمالكي؟ طبعاً لا، فالأخطار التي تواجه الديمقراطية في العراق لا تنتهي عند كسب الجولة مع السيد رئيس الوزراء، أبداً، والسبب أن لدينا على رأس كل حزب غول يرفض مبدأ تداول السلطة داخل حزبه، ما يعني أن الجميع يتصرفون بنفس منطق المالكي.. على هذا الأساس لن تنتهي حرب الديمقراطية في العراق قبل أن يتم الإجهاز على كل غيلان السياسية فيه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ضياء الجصاني

    صديقي العزيز في سطورك الاخيرة وضعت يدك على جانب من عوامل الازمة،ازمة الديمقراطية، اما الجانب الاخر الذي اغفلته، فهو تخلف الوعي السياسي في الشارع العراقي مما يسهل عمليات الخداع والدجل التي يمارسها ( غيلان السياسة ) من خلال كياناتهم الفاشلة، وبخروج العراق م

  2. جعفر المزهر

    طبعا في الدول المستقرة والعريقة في ديمقراطيتها لا يستطيع اي رئيس حكومة ان يجير امكانات الدولة لصالحه . اما في العراق فالتخوف مشروع . وضروريا ان تحدد مرات الولايات . لكن ما اريد ان اعلق عليه هنا هو محاولة تحويل المحكمة الاتحادية الى خصم مستقبلي اذا طعن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram