لم تشهد مصر لحظة هدوء، منذ إطاحة نظام حسني مبارك قبل عامين، وظلّت الأزمات تتلاحق، حتى وصلت هذه الأيام حداً خطيراً من الفوضى والعنف، أسفر بكل أسف عن قتلى وجرحى في القاهرة وبورسعيد، وفي حين تتبادل المعارضة والسلطة الاتهامات بالمسؤولية، فإن كل دعوات التهدئة فشلت في منع تصاعد وتائر العنف والفوضى، وتحولت الذكرى الثانية للثورة إلى مشهد مثقل بالدماء، وحكمت المظاهرات الشوارع، وأقدم مناهضو حكم الإخوان على اقتحام ومهاجمة منشآت حيوية مهمة، وحرق مقار للحزب الحاكم، وساد المشهد الغموض حول موقف قوى المعارضة من انفلات العنف، وحول موقف الحكومة التي لجأت أمس إلى فرض حالة الطوارئ في مدن القناة، وبما يذكر بما كان سائداً قبل قفز الاخوان إلى موقع السلطة.
يجادل المعارضون لمرسي والإخوان، بأن ثورتهم لم تكتمل بعد، ولم تحقق أهدافها، وأنهم يواصلون نضالهم لتحقيق هدف سالت من أجله الكثير من الدماء، لكن تصاعد العنف لتحقيق ذلك يبدو طارئاً على المشهد، وكأن نهجاً جديداً حل محل الحراك السلمي، الذي أطاح واحداً من أعتى النظم الدكتاتورية، وإذا كانت فوضى السلاح سبباً وراء ذلك، كما يرى البعض، فإن استئثار الإخوان بكل مواقع السلطة، ومحاولتهم فرض هيمنتهم على المجتمع المصري، المؤمن باعتدال، والتعددي تاريخياً سبب إضافي، بالتأكيد تتحمل المسؤولية عنه العقلية الاقصائية للإخوان، التي تحمّل المعارضة مسؤولية كل هذه الفوضى، في محاولتها فرض أمر واقع، وهي تتقدم بمطالب تعجيزية لامجال لتلبيتها.
في الواقع أن الدعوة التي تتبناها السلطة الحاكمة، لما تصفه بحوار وطني، تشارك فيه القوى والتيارات السياسية، بقيادة شخصيات وطنية مستقلة، تكون لديها صلاحيات كاملة، ليس أكثر من محاولة لتمييع الموقف، والقفز على مطالب المعارضة وجبهة الإنقاذ الوطني، التي أعلنت مقاطعة الانتخابات البرلمانية، ليس لعدم قناعتها بما تفرزه صناديق الاقتراع، وليس نأياً عن فكرة الحوار، أو رغبة في تطويل عمر الأزمة الراهنة، وإنما لقناعتهم المبنية على التجربة، بأن الاخوان يخفون غير ما يظهرون، وأنهم يسعون اليوم لتبريد الأزمة وتجاوزها، للعودة ثانية إلى ما نعرفه عنهم من قناعتهم بأن رأيهم هو وحده الصحيح، ما دام يستند إلى تعليمات السماء، وباعتبارهم وكلاء لها على الأرض.
حين تعتبر جماعة الإخوان، أن هناك ضرورة لإعادة الاعتبار لهيبة الدولة، فإن عليها التنبه إلى أن ممارساتها هي التي أسقطت تلك الهيبة، ولنا أن نذكرها بمجموعة من القرارات الرئاسية، التي تم التراجع عنها بسرعة البرق، بعد ثبوت عدم معقوليتها، وتناقضها مع مبدأ فصل السلطات، أو تجاوزها للنصوص الدستورية، ويبدو مستهجناً اعتبارها مطلب المعارضين بتعديل قانون الانتخابات وتعديل الدستور تعجيزياً، مع القناعة بأنه مطلب يمكن التوافق عليه، هذا إن لم تعتبر جماعة الإخوان أن كل ما شرعته مقدس، وعصي على المناقشة ، وأن على الجميع أخذه كمسلمات، غير قابلة للنقد أو الاعتراض.
ليس كثيراً على الشارع المصري مطالبته لمرسي بتصحيح أخطائه، والوفاء بتعهداته والتزاماته التي وعد بها الشعب، والتعلم وأخذ العبرة من أخطاء نظام مبارك، وعدم التعامل بفوقية مع مطالب الجماهير، واللجوء إلى الحلول الأمنية التي تقود إلى مزيد من تأزيم الموقف، والعودة بذاكرته إلى شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية التي نشبت الثورة لتحقيقها، وبغير ذلك فإن البديل سيكون كارثيا، وسينطلق مارد الغضب الشعبي، الذي لا يمكن لأحد التنبؤ بمداه أو السيطرة عليه، وسلام على دم شهداء الثورة المصرية، سيظل قائماً حتى تتحقق أهدافهم.
مصر الثورة مستمرة
[post-views]
نشر في: 28 يناير, 2013: 08:00 م