TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "ويكليكس" عبد الستار البيرقدار

"ويكليكس" عبد الستار البيرقدار

نشر في: 28 يناير, 2013: 08:00 م

الهجوم الشديد اللهجة الذي شنّه الناطق باسم القضاء الأعلى  عبد الستار البيرقدار ضد النائب صباح الساعدي، والذي لوح من خلاله بملف اشبه بملفات "ويكليكس" قال انه يتضمن جرائم اخلاقية، مضيفا إليه أمراً بإلقاء القبض صادر ضد الساعدي منذ ستة اشهر، دون ان يجيبنا ما الذي يمنع السلطة القضائية من تنفيذ امر إلقاء القبض؟ وكيف تسنى للقضاء ان يصبر على متهم كل هذه المدة؟ واذا كان الساعدي فاسدا، لماذا صمت البيرقدار كل هذه الأشهر العجاف، ومما أثار عجبي ان يدلي رجل يفترض به حارس القانون بكلمات عن جرائم أخلاقية، وان لديه ملفا موثقا لجرائم النائب الساعدي.   

ما صرح به البيرقدار أمس للصباح الجديد يكشف بالدليل القاطع أن جهاز الكمبيوتر الخاص به لا يزال يستخدم البرامج نفسها التي كان يستخدمها النظام السابق.

لا  أناقش هنا صحة ما صرح به البيرقدار من عدمها، فقط أنا أتحدث عن المنهج والطريقة التي تعامل بها مجلس القضاء الاعلى مع الشيخ الساعدي، فحملة الاعتصامات والاحتجاجات التي نادى بها البيرقدار واللافتات التي رفعت وطالبت بالقصاص من الشيخ الساعدي، كل ذلك يؤكد ان القائمين عليها بلا خيال،  وأننا مازلنا نعيش عصر محاكم الثورة التي كان يقودها عواد البندر.

ولنسأل فيلق الهجوم الخاص الذي تصدره السيد البيرقدار؛ أيُّهما اخطر على البلاد، الرجل النحيف صباح الساعدي الذي وقف بكل شجاعة ليكشف ملف فساد وزارة التجارة، أم السيل العارم من الفاسدين والمفسدين الذين ينتشرون في كل مفاصل الدولة دون ان يرمش للقضاء جفن لهذه الجرائم؟

لم يثبت حتى الآن أن الساعدي شكل تهديدا للأمن الوطني، باستثناء معارضاته لتسلط رئيس الوزراء - إذا كان السيد البيرقدار يعتبر هذه جريمة أخلاقية - حتى يقرر القضاة شن حملة افتراءات ضده، لكن المؤكد بالصورة والصوت أن الفاسدين الذين يتستر عليهم بعض المسؤولين، ويخاف القضاء من الاقتراب من ملفاتهم، هم من اهلك البلد وشكل ويشكل  اخطر تهديد ضد أمن الوطن والمواطنين لا يقل خطورة عن تهديد الجماعات الإرهابية.

أخطاء كثيرة ارتكبها مسؤولون سابقون وحاليون ولن نسمع أن البيرقدار خرج منفعلا او دعا الى اعتصام، فيما وجدنا القضاء في  مصر  يتخذ كل يوم موقفا شجاعا إلى جانب الشعب ويرفض ان يختبئ تحت معطف الحكومة.. فيما يستباح عندنا القضاء كل يوم ولا نجد احداً من السادة القضاة الفضلاء اعتصم او احتج او حتى رفع لافتة تقول ابعدوا القضاء عن سلطة الحكومة.

من المؤلم والمحزن للغاية أن نجد القضاء يتحدث آناء الليل وأطراف النهار عن قيم العدالة وضرورة تطبيق القانون على الجميع، ثم يضعنا معه في ورطة مهنية حين يخرج الناطق باسمه ليلوح بملف أخلاقي  ضد نائب جريمته انه تحدث تحت قبة البرلمان عن مخالفات قانونية، وبعيدا عن البيانات والتصريحات الملتبسة والمزدوجة التي أصدرها مجلس القضاء، فان الخطورة تكمن لو أن الساعدي  لم تثبت إدانته، عندها فأن الناس لا يمكن لها بعد ذلك أن تثق بقضاء تحركه دوافع ونوازع ثأرية وسياسية، فضلا عن أن هؤلاء الناس أنفسهم يدركون جيدا خطورة ان يخضع القضاء لتأثيرات جهة سياسية معينة.. لأن الراسخ في أذهان العراقيين ان أولى بشائر الديمقراطية في العراق كانت في الإعلان عن تشكيل قضاء يقف إلى جانب الصدق والحق والعدل.

وقديما قال سقراط، إن الفضيلة قانون والرذيلة مخالفة، ومن ثم فإن الإصلاح القضائي هو المقدمة الضرورية لأي تغيير نحو الأفضل في حياة الأمم والشعوب.

وفي النهاية لا بد ان ننبه الى ان تصريحات البيرقدار تمثل فرصة ذهبية سانحة لكل من يريد استغلال القضاء في ضرب خصومه، حيث يمكن لمن يريد أن يقصي الآخرين بأن يلوح بملف أخلاقي مثلما لوح السيد البيرقدار وهو مطمئن إلى أنه لن يعاقب لأن القضاء أعطاه النموذج الأفضل في اسكات الخصوم وإخراسهم. 

وما أتعس مثل هكذا قضاء، يستخدم أساليب غير قانونية في إرهاب خصومه  من خلال إهانة القوانين والضرب بها عرض الحائط، ذلك أن مفهوم القانون كما وضحه لنا البيرقدار  في تصريحه امس، يتجرد من أي معنى أخلاقي، ويتأسس على قيم القنص والخطف واللاعدالة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 8

  1. المدقق

    كيف تجرؤون على تسمية انفسكم مثقفين وانتم تجهلون ابسط قواعد القضاء ؟؟ الا تعلمون بان القضاء قد طلب من البرلمان رفع الحصانة عن الساعدي منذ فترة طويلة وان البرلمان غلس على ذلك ؟ ثم الا تعلم بان القضاء مقدس ولا يجب ان يشكك به احد دون دليل دامغ ؟؟ انا متاكد با

  2. الدكتور ياسين البدري

    الاستاد الفاضل علي حسين. انا استاد جامعي امريكي من اصل عراقي حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة نيويورك وسبق ان عملت في اللجنة القانونية لىمم المتحدة لاكثر من سبعة اعوام بداية الثمانينات واعيش في الولايات المتدة لاكثر من 35 سنة.سبق ان شاهدت على فضائية البغ

  3. حسام

    وانا اتصفح مقالك وجدت هناك مقارنة بين القضاء المصري المسؤول الذى يحترم القسم وبين القضاء العراقى الذى ينسى القسم حينما تزداد مكارمه من السلطه فذلك القضاء مبدئى وهذا نفعى والفرق بين المبدئى والنفعى فرق شاسع كما الفرق بين الضابط المهنى والضابط الدمج والسياس

  4. سلام اللامي

    من المؤلم والمحزن للغاية أن نجد القضاء يتحدث آناء الليل وأطراف النهار عن قيم العدالة وضرورة تطبيق القانون على الجميع،هذه الكلمات التي تسستحق الاحترام وجدت انها تحمل قيم يفتقر لها البيرقدادر وامثاله الذين اقسموا ان لايخون فخانوا ان القانون ورجاله المحترمين

  5. عراقي

    عزيزي كاتب المقال اذا كنت تعرف القانون فعليك ان تعلم انه لا يتم اي اجراء قضائي على اي شخص يحمل حصانة قبل رفعها من قبل مجلس النواب وهذا الاجراء متوقف

  6. ahmed

    بارك الله في قلمك ولم تقل سوى الحقيقية ومع كل الاسف هذا هو حال القضاء العراقي الحالي ولهذا ترى ان المالكي وغالبية عناصر دولة القانون لا يبالون من اي استحواب لانهم يعرفون ان القضاء يرد لهم اي شئ ولكن الى متى .....الى متى يبقى البعير على التل

  7. زامل اللامي

    ياسيدي الكاتب يعجبني كثيرا كتاباتك الجريئةواقول ان سكوت البيرقدار على هذه الملفات طيلة الاشهر الماضية هو تقليد لنهج سيده المالكي والذي بالاحتفاظ بالملفات حتى وان كانت تمس حياة الانسان العراقي ولايكشف الا في وقت الحاجة اي وقت اسقاط خصم من الخصوم او وقت ما

  8. نعيم الحيدري

    لاخ الكاتب ادهشني قصر بصيرتك و الكذب واخفاء الحقيقه ليس هكذا تطرح الحقائق القضاء معطل طالما البرلمان لا يرفع الحصانه عن هذا النائب هذا الذي يجعل القضاء و البيروقرتط الصبر عليه يجب ان تعنون هذا السؤال الى مجلس النواب لا يلعب بالمفردات وكن صاحب كلمه صادق

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

 علي حسين يريد تحالف "قوى الدولة " أن يبدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن والمواطنين مثلما أخبرنا بيانه الأخير الذي قال فيه إن أعضاء التحالف طالبوا بضرورة تشريع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، التي...
علي حسين

قناديل: انت ما تفهم سياسة..!!

 لطفية الدليمي كلُّ من عشق الحضارة الرافدينية بكلّ تلاوينها الرائعة لا بدّ أن يتذكّر كتاباً نشرته (دار الرشيد) العراقية أوائل ثمانينيات القرن الماضي. عنوان الكتاب (الفكر السياسي في العراق القديم)، وهو في الاصل...
لطفية الدليمي

قناطر: كنتُ في بغدادَ ولم أكنِ

طالب عبدالعزيز هل أقول بأنَّ بغداد مدينةٌ طاردةً لزائرها؟ كأني بها كذلك اليوم! فالمدينة التي كنتُ أقصدها عاشقاً، متلهفاً لرؤيتها لم تعد، ولا أتبع الاخيلة والاوهام التي كنتُ أحملها عنها، لكنَّ المنعطفَ الخطير والمتغيرَ...
طالب عبد العزيز

الزواج رابطة عقدية تنشأ من دون وسيط كهنوتي

هادي عزيز علي يقول الدكتور جواد علي في مفصله لتاريخ العرب قبل الاسلام ان الزواج قبل الاسلام قائم على: (الخطبة والمهر وعلى الايجاب والقبول وهو زواج منظم رتب الحياة العائلية وعين واجبات الوالدين والبنوة...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram