TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فرقة الحياة... السيمفونية

فرقة الحياة... السيمفونية

نشر في: 1 فبراير, 2013: 08:00 م

كل الطرق المؤدية إلى المسرح الوطني في بغداد كانت عصر الخميس (أمس الأول) غارقة في مياه المطر الذي لم يعد زائراً مرغوباً به في مدينة تطفح شوارعها وساحاتها وأزقتها بخليط الماء والطين والقمامة بعد نصف ساعة فقط من بدء الهطول.
مع ذلك غرقت قاعة المسرح هي أيضاً بسيل الجمهور الذي جاء ليحضر حفلة الفرقة السيمفونية الوطنية، وهي حفلة تميزت هذه المرة بأن ما عُزف فيها (تسع مقطوعات) كان عراقياً صرفاً. المناسبة كانت مسابقة التأليف الاوركسترالي حيث تقدّم تسعة عشر من أعضاء الفرقة بمقطوعات ألفوها بأنفسهم، واختيرت تسعاً منها بوصفها المقطوعات الفائزة. بعض هذه المقطوعات يرقى إلى المستوى العالمي عن جدارة.
بقدر ما استمتعت بالعزف امتلأتُ بالفخر لأن فرقتنا السيمفونية تنضمّ إلى جبهتنا، نحن متحدّي الوضع المزري الذي تعيشه بلادنا (سياسياً بخاصة واجتماعياً واقتصادياً)... أعجبت بشباب الفرقة وشيوخها الذين يجترحون معجزة حقيقية بإصرارهم على تقديم الجمال والسحر والسمو بخلاف السياسيين الذين يعاندون أيّما عناد في تسميم حياتنا في كل يوم وساعة ودقيقة.
شباب (صبايا وصبيان) يانعون وشيوخ أجلاء وقورون لم يردعهم المطر ولا منعهم اكتظاظ الشوارع بالسيارات واشتداد الزحام عند نقاط التفتيش عن الحضور إلى المسرح الوطني في الموعد، بل قبل الموعد.
أعجبت وافتخرت أيضا بالجمهور الذي ملأ القاعة من أولها إلى آخرها، ومعظمه كان من الشباب، وأنصت بصمت إلى المعزوفات وصفّق بحماسة لها ولمؤلفيها وعازفيها وقائد الفرقة ومساعده.
الإعجاب كان مضاعفاً، وكذا الافتخار، فعدا عن ظروف الطقس خارج القاعة  التي تحدّاها أعضاء الفرقة والجمهور، لم تكن القاعة نفسها قد هُيئت بما يليق بهذا الحدث: حفلة للموسيقى السيمفونية بمقطوعات لمؤلفين عراقيين.. القاعة كانت باردة، وعندما انقطع التيار الكهربائي فجأة، كالعادة، فشل النظام المحلي في تشغيل مولدة الكهرباء في الحال (ربما لم يُصمم النظام لذلك في الأساس)، فانتظرنا دقائق عدة حتى تعود (الخاتون كهرباء)، واضطرت الفرقة إلى إعادة عزف المقطوعة التي تُعزف.
إلى ذلك فان الكراس التعريفي بالحفلة (فولدر) الذي أعدته الفرقة جسّد بوضوح الحال البائسة لدولتنا، دولة الأكثر من مئة مليار دولار سنوياً من النفط وحده، التي فشلت في صرف 200 أو 300 دولار لإعداد وطباعة فولدر أنيق وملون يليق بهذه الفرقة المفخرة وبحفلتها المميزة.
المجد لكم والمحبة، شباب فرقتنا السيمفونية وشيوخها.. فرقة الحياة، وتعساً لفرقة النحس والنكد والموت.. لسياسيينا المشغولين عن جمالكم وسحركم وسموكم وبهائكم وفخامتكم بأطماعهم ومؤامراتهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. سمير طبلة

    تحية عطرة لهم ولكل من يطمح لعراق أجمل و...أأمن!

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram