أليس من حق البرلمان أن يستدعي المسؤولين في الحكومة، وان يحاسبهم او يسألهم عن أوجه الخلل في عمل مؤسسات الدولة، هل من حق المسؤول ايا كان منصبه ان يصبح وصيا على قرارات البرلمان.. في الآونة الأخيرة شاهدنا كيف يرتدي بعض السياسيين زي "المحاربين" ضد اي توجه يتخذه البرلمان لاستجواب المسؤول .. لتتحول مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات خاصة يحكمها ولي الأمر الذي بيده مقاليد السلطة.. وما على البرلمان إلا الطاعة والسمع، بل ذهب الخيال بالبعض أن تصور نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذه البلاد من عصور الجاهلية والكفر، وإخراجها من الظلمات إلى النور، وان مجرد حضوره البرلمان للاستجواب يعد خروجا على الشرع والقيم والأعراف، طريقة ساذجة لاستغلال المنصب ومنافعه لمحاصرة اي ظاهرة تؤرق المسؤول أو تزعجه ، وهي طريقة ليست مقطوعة الصلة بالعديد من المشاكل والمساخر السياسية والاقتصادية والامنية، التي أوجدتها سياسات حكومية مختلة الضمير والعقل والوجدان .
في خبر يثير الأسى والحسرة على تضحيات العراقيين خلال السنوات العشر الماضية، يخبرنا النائب جواد الشهيلي عضو لجنة النزاهة البرلمانية أن وزير الشباب جاسم محمد جعفر امتنع عن الحضور إلى البرلمان رغم مخاطبته لأربع مرات دون استجابة.
من باب تنشيط ذاكرة القارئ فقط، اذكر بان العديد من المسؤولين يرفضون رفضا قاطعا الاقتراب من ملفات الفساد، كون الوزراء محسوبين على هذه الجهة السياسية أو تلك ومن ثم فلا بد من استمرارهم في الجلوس على الكرسي الذي يضمن لهم ولأحبائهم وأقاربهم الامتيازات والمنافع.. ولا أريد أن أذكر أن هناك وزراء فاشلين يرفضون أن تطأ أقدامهم قبة البرلمان.
شخصيا، لا أعرف السيد وزير الشباب ولم التقه، لكن لفتت نظري الطريقة التي تعامل بها مع مجلس النواب .. فالرجل مصر على ان حضوره لجلسة الاستجواب يعد تعديا على صلاحياته.. وان على البرلمانيين ان "يتركوه في حاله" لكي لايتدخل في شؤونهم.. الا ان الغريب في قصة وزير الشباب ليس رفضه الحضور حيث سيعتقد البعض أن الوزير يتخذ موقفا سياسيا من بعض النواب، أو لأنه لا يثق بقرارات البرلمان.. أو أن جهة سياسية لا تريد له ان يكشف المستور.. فالواقع ان الوزير يرفض حضور البرلمان لأنه في كل مرة يقوم بـ"استخارة" فيجد ان الفال والحظ ليس معه، فيقرر أن يسد باب الاستجواب ويستريح .. قد يعتبر البعض ان ما اكتبه فصلا كوميديا من فصول المهزلة العراقية، ولكن هذه هي الحقيقة.. فالاستخارة تمنع الوزير من حضور جلسات البرلمان والإجابة على اسئلة النواب واستفساراتهم.. هكذا اذن تدار شؤون البلاد.
نفس المسلسل أو الفيلم حدث من قبل مع وزراء ومسؤولين تشاءموا من قبة البرلمان وكانت "الاستخارة" تشير عليهم ألاّ يغادروا كرسي المنصب ولو للحظات خوفا من ان تجرفه الرياح.
ودعونا نتساءل كم صاحب استخارة تحولوا إلى سياسيين وأصحاب مناصب ويتحكمون برقاب العباد؟ كم سياسيا ومسؤولا يريدون أن يروضوا الناس من خلال منطق الاستخارة وبكلام يستخدمون فيه الدين زورنا من اجل إعادة العراقيين إلى الأقفاص التي توهموا بأنهم خرجوا منها بعد عام 2003.
هل سنضحك الآن.. أم ستضحك علينا الأمم.
إن استدعاء الدين وتسخيره لخدمة المصالح الشخصية لعبة خطيرة أقرب إلى اللعب بالنار، خاصة إذا كان المقربون من السلطة لا يتذكرونه إلا عند الدفاع عن ممارساتهم الخاطئة تجاه الشعب، لماذا لا يحدثوننا عن حكم الدين في المحتكر، والفاسد، والمزور، والناهب لثروات البلد والمتجاهل لأحكام القضاء؟
لماذا يتذكر البعض الدين فقط عندما يتعلق الأمر بأمنه وبقائه في السلطة، وينساه عندما يتعلق بحقوق المواطنين وما يرتكب في حقهم من جرائم؟
يريدون توظيف الدين عنوة لتبرير الفساد وسرقة المال العام وغياب الخدمات وتراهم يستحضرونه في الحديث عن مخططاتهم لتحويل مدن العراق إلى ولايات متخلفة تفتقر إلى ابسط شروط الحياة الكريمة.
يدرك العراقيون جيدا أن الخطر الذي يواجههم اليوم هو سياسيو الفتاوى الذين يسعون إلى قتل الروح الوطنية في النفوس والقوانين والإجراءات، الخطر الحقيقي من دراويش الحكومة الذين يتعاملون مع المنصب بمنتهى الانتهازية والنفعية، فهذا السياسي يستفيد من الديمقراطية في إشاعة أفكاره الرافضة لقيم الحرية والمساواة، وذاك النائب يلوح بالدستور ويخرجه من جيبه ويصرخ في وجه كل من يوجه نقدا لأداء الحكومة، فيما ثالث لا يقبل ان يضع توقيعه على ورقة تصب في مصلحة الناس إلا بعد ان يستخير، في الوقت نفسه لا يستخدم هذه الاستخارة حين تمتد يده الى اموال العراقيون.
جميع التعليقات 3
حسام
يا اخى والله انت تعذبنى بكتاباتك انا من القراء الدائمين للمدى === انا وجاري كنا مشغولين بتصريف الامطار في الشارع وضعنا مجموعه من الطابوق والحجر ليكون ممرا للعبور طلاب المدرسه ولعنا الحكومه المحليه لعدم اكتراثها بمعاناة الناس ووصلنا بالحديث عن الانتخابات
Hilal
صباح الخير اعتقد ان المطالبة بمحاسبة ومتابعة سراق الشعب من المسولين السابقين والموجودين الان يستحق ان يكون احد مطالب المتظاهرين والمحتجين على الاوضاع
على الهادى
الحديث عن وجود فساد فى اية وزاره لا يخلو من امرين اولها الحكم بوجود الفساد من قبل المحاكم دون تسيس المساله فهذا لم يحصل لوزير الشباب او ان الكاتب يعرف حقائق ولديه مستمسكات ووثائق ثبت عنده الفساد الوزير وهذا ايضا لم يحصل بدليل ان الكاتب اعترف انه لا يعرف