الطوب بالعامية هو المدفع، المندحر أمام مكاوير العراقيين في الأهزوجة الشهيرة عندما طرحوا السؤال التاريخي لمعرفة المفاضلة بين سلاح ناري وآخر يدوي " الطوب أحسن لو مكواري " وعلى الرغم من مرور عشرات السنين على إطلاق ذلك السؤال، هناك من يعتقد بأن السواعد السمر لأبناء الملحة، قادرة على مواجهة احدث الأسلحة، انطلاقا من الإيمان بأن الغزاة مجرد مجموعة من العلوج بحسب وصف وزير إعلام النظام السابق محمد سعيد الصحاف، ستواجه قدرها المحتوم على أسوار العاصمة بغداد.
الإنسان العربي المتمسك بأوهام انتصاراته التاريخية على الأعداء، نتيجة تأثره بماكنة الإعلام الرسمي، يتجاهل نكباته وانتكاساته، فيعلق آماله على رموز مستهلكة لشن صولة بعد أخرى، منطلقا من دوافع انفعالية إرضاءً لنزوة عابرة، عادة ما يتحمل عواقبها الوخيمة بالمكوث الطويل تحت خط الفقر، وضياع فرص التنمية والإعمار، والحصول في اقل تقدير على الماء الصالح للشرب، ومدرسة للأبناء، ودار سكن ومستشفى لعلاجه من أمراض منقرضة، وكذلك تحريم حصوله على أي نوع من الحرية ، وحكامه يتوارثون السلطة، بيدهم المال والقضاء، وفي بعض الأحيان مجلس شورى يضم أعضاء معينين بأوامر عليا في تقليد بليد لاستنساخ مظهر ديمقراطي مشوه مستعار من العالم المتمدن.
في العاصمة بغداد اليوم أكثر من طوب أبو خزامة، وضعت في ساحات عامة، لا تثير اهتمام المارة والعابرين، مجرد حدايد فقدت "الدان"، أي الذخيرة، فجثمت على الأرض بأوزانها الثقيلة وكأنها تريد أن تعلن استسلامها أمام المكوار وتعترف باندحارها وهزيمتها، محتفظة بالخزامة لإثبات هويتها القديمة مقابل الجيل الجديد من المدافع الحديثة والصواريخ عابرة القارات والمحيطات.
في بلد يعيش أجواء صراع سياسي محتدم، ولدى شعبه مخاوف من ضعف الدولة في بسط الأمن والحفاظ على السلم الأهلي، تكون الحاجة لامتلاك السلاح رغبة ملحّة للدفاع عن النفس يغذيها في بعض الأحيان أصحاب النفوذ، ومن يخطط لحسم الخلاف لصالحه، عن طريق اثارة الفوضى، تحت "شعار نخبطها ونشرب صافيها"، وبعض أجزاء المنطقة العربية لا تحتاج إلى شواهد لإثبات حقيقة أن الخلاف السياسي كان السبب في تخلفها وانحطاطها، ولكنها احتفظت بصوتها الصاخب المتشدد المعادي لأي مظهر حضاري، و"الطركاعة" إن السلطة استطاعت أن تسخر ملايين الحناجر لإطلاق أصوات تهتف لانتصاراتها التاريخية في تحقيق المنجزات والمكتسبات لأبناء الشعب.
المثل الشعبي العراقي" تموتين ما البسج خزامة" يصلح أن يكون الرد الحقيقي لمن يحاول استخدام الخلاف السياسي لإثارة دوافع الثأر والانتقام والاحتراب الأهلي ليخوض منازلة أو مواجهة يراهن على نتائجها الكارثية ليكون بطل فيلم سينمائي يثير الرعب حتى لدى الوحوش التي باتت تبحث عن ملاذ آمن في أماكن خارج المنطقة العربية.
طوب أبو خزامة
[post-views]
نشر في: 3 فبراير, 2013: 08:00 م