عندما سمعت الأخبار التي نقلت استجابة الحكومة لبعض مطالب المتظاهرين، لم اصدق أن هذه الاستجابة حدثت بدون تفاوض بين ممثلين عن الحكومة ومثلهم عن المتظاهرين، إذ لا يعقل بمؤسسة بمثل حجم وأهمية مؤسسة الحكومة أن تتعامل مع أزمة بهذه الخطورة وفق صيغ ارتجالية..
عندما يحدث نزاع بين أي جهتين تريدان تجنب خيار الاقتتال، فلا يكون أمامهما غير التفاوض. والتفاوض يعني جلوس كل من الطرفين المتقاطعين من أجل وضع خطة عمل تجعل كل منهما مسؤولاً عن تنفيذ بنود محددة. وتحمل إجراءات صارمة في حال التراجع عن تطبيق هذه البنود. وسبب الحاجة إلى الخطوات التفاوضية، هو الحيلولة دون وقوع الغبن على أي من الأطراف.
هذه إجراءات أولية بسيطة، تعمل وفقها حتى العشائر عندما تسعى لحل نزاعاتها. وعلى هذا الأساس كان يفترض بالحكومة أن تطالب المتظاهرين بترشيح وفد يمثلهم، ولا تقبل الجلوس على طاولة مفاوضات مع أي وفد لا يمثل المتظاهرين ولا يمتلك القدرة على فض احتجاجاتهم بعد تنفيذ المطالب. كما يفترض بها أن تُلْزمهم بتحديد المطالب بصورة نهائية. ثم ترشح هي ممثلين عنها يكونون على مساس مباشر من قضايا المحتجين، وتعطي بعد ذلك الوفد الذي تفاوضه ضمانات كافية بتطبيق بنود الاتفاق. هذا هو الحد الأدنى لنجاح أي طاولة تفاوض. ويمكن بعد ذلك مناقشة جميع التفاصيل حيث يكشف كل طرف عن مخاوفه واهدافه ويقدم الضمانات الكافية بتطبيق التزاماته.
الحاجة إلى التفاوض تزداد عندما نتذكر أن الحكومة لم تكف يوماً واحداً عن اتهام بعض المتظاهرين بالسعي لتقويض العملية السياسية أو تنفيذ أجندات خارجية، الأمر الذي يحتم عليها أن تدرس بدقة كيفية التعامل مع هذا البعض وفض النزاع معه..
إذن فهل هو سخاء من الحكومة أن تباشر بتنفيذ بعض مطالب المتظاهرين دون أن تتفاوض مع وفد يمثلهم؟ أم أن الموضوع لا علاقة له بالسخاء وحسن النية، إنما هو ارتجال تعودت، وعودتنا، عليه؟ أم أنها تريد أن تزيد الوضع إرباكاً والمشهد تشويشاً؟ ثم ماذا لو أكملت، من جهتها، تلبية جميع المطالب وامتنعت الجماهير عن الرجوع إلى بيوتها، ماذا ستفعل، وماذا سنفعل نحن كمواطنين؟ كيف سنفهم إن كانت الحكومة التزمت أم لا، وأن كانت الاحتجاجات تجاوزت أهدافها أم لا؟ وهذا يعني بأن ارتجال الحكومة لم يورطها وحدها، بل ورطنا معها، أقصد نحن الذين ندعم المطالب الدستورية من جهة، ونريد، من جهة أخرى، أن نحافظ على نظامنا السياسي من العبث المقصود والأخطاء غير المقصودة.
عبث وارتجال
[post-views]
نشر في: 3 فبراير, 2013: 08:00 م