يفترض أن أكتب، هنا، عموداً بشأن الثقافة والإبداع وأهلهما.
لكن العراق، من أكثر بلدان العرب ضحية السياسة والسياسيين، وأظن أن ثقافتنا وإبداعنا من أكثر ضحايا السياسة والسياسيين في العراق قياساً بما يجاورنا من دول عربية، أو في بلدان المغرب العربي.
مثقفون بارزون في العراق دفعوا ثمن سياسة السلطات المتعاقبة أكثر من غيرهم في بلاد العرب... أوطاني من الشام لبغدان.
هل تريدون أسماء؟
الأسماء لا تبدأ ببدر شاكر السياب ولا تنتهي بنا جميعاً أو على انفراد.
أحاول الهرب من السياسة إلى الثقافة والفن والسينما والأغاني فأجدني مسمراً أمام شاشة التلفاز أرقب تظاهرات العراقيين في غرب العراق وجنوبه.. فأفرح بالتظاهرات، لأنني مع التظاهرات بالمطلق، شاعراً يؤمن باختراقات الساكن وإحراج الدولة الظالمة، غير المدنية، إذ الناس تعيش في بيوت الصفيح ولا تجد ما تأكله وهم رعايا دولة من أغنى دول العالم.
أتظاهر مع المتظاهرين رافعاً كلماتي لافتات صغيرة تطالب بالحرية واحترام الإنسان وتعويض المتضرر وإعادة الوطن إلى أرضه الأولى التي سبقت انقلابات العسكر وشعارات الآيديولوجيا، لنبدأ من جديد: دولة مدنية، دستورية تحترم حقوق الإنسان، رحيمة بالعوائل، وتبعث بأبنائها إلى المدرسة في صباحات بلا بنادق تحرس منعطفات الطرق والأزقة، ولا وحول تغمر أقدام الأطفال.
التظاهرات تعبير حقيقي، مشروع، تكفله الدساتير في الدول الديمقراطية والقوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان.
شخصياً، أؤيد أي تظاهرة سلمية في العراق، أو خارج العراق، إذا ما حافظت على سلميتها حتى لو كانت تتصدى للعنف الحكومي أو غير الحكومي.
هل تتذكرون ذلك الشاب الذي وقف بوجه الدبابات الصينية في ساحة آي تيانمين.. إنها لقطة شهيرة على أي حال.
لكنني أحار أمام تظاهرات وتظاهرات مضادة، عندما يجري تطييف السياسة وتسييس الطائفة.
أيأس وأنكفئ عندما أقرأ خبراً عن زعيم سياسي يلتقي رئيس دولة عربية يطلب دعماً مالياً (تدخلاً سافراً) لدعم تظاهرات (سلمية ثم صارت مسلحة) معينة، رأينا نتائجه في ليبيا ومصر وسوريا و"حماس" فلسطين!
لا أريد، بل لا أعرف، التدخل بصراعات السياسيين والسياسيين، الذين هم إما يملون أوامرهم على المتظاهرين أو يستثمرونهم لأغراضهم المشينة.
أدعو لتظاهرة سلمية، وأعرف لن يستجيب لها أحد، تخرج في شوارع العراق كافة، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه تطالب بالديمقراطية وانتخابات حقيقية بإشراف مؤسسات دولية مستقلة، غير حكومية، لا يمولها المال السياسي ولا تبتزها فتاوى الدخول إلى الجنة أو تحريم الزوجة على زوجها إذا ما انتخب قائمة معينة، بعيداً عن المحاصصة.. تظاهرة سلمية قوامها الشعب العراقي برمته، بقومياته وأعراقه وأقلياته القومية والدينية المتآخية، بروح عراقية وطنية، مدنية، لإقامة دولة عراقية تعيد كتابة الدستور برؤية مهنية (وقد رحل بريمر) وتشكيل حكومة تكنوقراط، كل وزارة باختصاص وزيرها المعنون أكاديمياً ومهنياً، يشرف عليها برلمان منتخب بلا توافقات سياسية كي يكون حراً في الإشراف على السلطة التنفيذية ومراقبتها... إلخ.
تظاهرة سلمية يقودها زعماء العراق المتساندين، كتفاً إلى كتف، وفي القلب منهم مثقفو العراق وفنانوه وأدباؤه وشعراؤه وقد اجتمعوا على كلمة الحق والعدالة واللاتمييز والتكافؤ.
تظاهرة سلمية تكون فيها نساء العراق في المقدمة: ناشطات المجتمع المدني والكاتبات والفنانات والمطربات والعوانس والأرامل والسافرات والمحجبات والأكاديميات والمطلقات وأمهات الشهداء والطبيبات والراقصات والملايات والحفافات وبائعات الهوى وربات البيوت وطالبات الجامعة والثانوية.. كلهن لعراق يأخذ حقوق الجميع من الجميع.
تظاهرة سلمية تطالب بإعادة الاعتبار لضحايا النظام السابق وتقتص من قتلة الشعب العراقي أينما كانوا.
تظاهرة سلمية من أجل التسامح والمصالحة مع التشدد بالمحاسبة القانونية لمن تلطخت أيديهم بدماء العراقيين.
هذه تظاهرتي السلمية التي لن يستجيب لها أحد.
تظاهرات سلمية
[post-views]
نشر في: 4 فبراير, 2013: 08:00 م