TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الكوميديا والتهريج

الكوميديا والتهريج

نشر في: 4 فبراير, 2013: 08:00 م

ما يؤخذ على المسرحيات الكوميدية التي تقدمها فرق المسرح التجاري عندنا وفي البلاد الأخرى، هو عامل (التهريج) الذي يلجأ إليه بعض الممثلين وسبب تلك المؤاخذة هو التمادي في اصطناع ما يضحك المتفرجين والإسفاف في الحركات الخليعة أو المجوجة وفي الكلام البذيء مع العلم أن التهريج فن يتخصص به ممثلون بارعون وخصوصاً أولئك الذين يعملون في (السيرك) ومهمتهم إضحاك الجمهور بتقنيات يتقنونها واليوم فان مثل تلك التقنيات تدرس في معاهد خاصة.
الإضحاك المهمة الرئيسة للمهرج، وتعرف (الكوميديا) بأنها تلك المسرحيات التي يكون محرضها الرئيس هو إثارة الضحك ولها نهاية سعيدة. وفي كتابه (فن الشعر) يوضح (أرسطو) بان الكوميديا محاكاة لأشخاص اردياء، أي اقل منزلة من المستوى العام ولا تعني الرداءة هنا كل من السوء والرذالة، وإنما تعني نوعاً خاصاً فقط الشعر المثير للضحك، ويقول الدارسون: إن الممثل في الكوميديا يمثل من عقله والى عقول المتفرجين إلى قلوبهم حيث تتحقق المتعة الذهنية وإذا ما خلت الكوميديا من تلك المتعة الذهنية فإنها تتحول الى مجرد تهريج.
يذكر التاريخ بأنه كان للملوك وللنبلاء والسلاطين وللحكام سواء في بلاد الغرب والشرق وفي بلاد العرب والإسلام، مضحكوهم، البهاليل والسماجة والمخنثون وكانوا يحظون بالاحترام والتكريم لكونهم يسلون ويمتعون أسيادهم، وكان اولئك المهرجون من الموسينيين الموهوبين ومن الممثلين البارعين والراقصين المهرة والبهلوانيين الحاذقين ويمتلكون الفطنة إلى جانب الخفة والوقاحة.
كان (البهلول) يحمل صولجاناً برأس منحني وبه شراشيب ويستخدمه احياناً لحماية السيد، وكان بعض البهاليل يرتدون قلنسوة وبها ما يشبه أذن الحمار وفي سترته ما يشبه الذيل، وما ذلك إلا تمثيل لصورة البلاهة التي يمثلها وليكن موضع سخرية للآخرين وهزئهم والاستخفاف بما يفعلونه.
وفي المسرح الانكليزي القديم كان (المهرج) يحظى بالاهتمام والتقدير ويحصل على الامتيازات، وقد رفع (شكسبير) من شأنه حين أعطاه دوراً مهما ينطق بجمل تحمل معاني وقيما تمثل الحكمة، كما استخدمه ايضاً كوسيلة للتنفيس عن المتفرجين والتخفيف من التوتر في تراجيديا، وأمثلة على ذلك (حفاري القبور) في مسرحية (هاملت)، و(البهلول) في مسرحية (الملك لير)، و(غوبو) في مسرحية (تاجر البندقية)، و(المهرج) في مسرحية (عطيل) ومن أمثلة المهرجين في المسرح القديم (الارلكينو) في فرق (الكوميديا ري لارنا) الايطالية وهو الشخصية الرئيسة في الكوميديا المرتحلة ويمثل شخصية الخادم الذي يجمع بين الفطنة الغفلة ويكون بارعاً في الرقص والألعاب البهلوانية وقد تطورت شخصية (الارلكينو) عبر التاريخ حتى أصبح بطلاً رومانتيكياً وشعبياً في مسرحيات (البانتومايم)، ويظهر فيها بحالة مأساوية يضحك وقلبه مكسور، واعتمد الفيلم السينمائي الصامت في بداية القرن العشرين على مثل ذلك المهرج المأساوي، وكان العظيم (شارلي شابلن) النموذج الأمثل لذلك النوع من المهرجين حيث كان يجسد في الأفلام التي يظهر فيها معاناة الإنسان في المجتمع الرأسمالي وما يلاقيه من استلاب وقهر.
وهكذا يأخذ (المهرجين) منحين متضادين؛ الأول سطحي مسف لا يترك أثراً لا في العقول ولا في النفوس يلجأ إليه المهرجون الذين لا يبغون سوى الإضحاك على حساب الخلق والقيم النبيلة. والثاني عميق مهذب يؤثر في العقل والنفس يلجأ إليه الذين يبغون نقد ما هو سلبي في المجتمع ورفض ما يسيء إلى إنسانية الإنسان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram