جزا الله تظاهرات الغربية ألف خير لأنها جعلت الحكومة بنفسها تقر وتعترف بظلمها لثلاثة آلاف عراقي، والحبل على الجرار. هذا الرقم لم يرفعه المتظاهرون في لافتاتهم، ولم يرددوه في هتافاتهم، ولم نأت به من جيوبنا، بل جاء على لسان نائب رئيس الوزراء المكلف برئاسة اللجنة الوزارية لتلبية مطالب المتظاهرين. ففي آخر تصريح له كشف حسين الشهرستاني أن الحكومة أطلقت سراح 3000 سجين وبقي في السجون العراقية حاليا 30000، بينهم 17000 مدان بجرائم مدنية، و 6000 بجرائم إرهابية و 7000 آلاف "طايفين"، لا يعرف بعد إن كانوا أبرياء أم لا، لأنهم قيد التحقيق. الواضح أنهم سيطلق سراحهم أيضا ليصبح عدد الأبرياء الذي سجنوا بلا ذنب 10 آلاف. لننتظر. لقد علمتنا التجارب أن الأرقام الحكومية عادة تقل بكثير عن الأرقام الحقيقية كما في عدد القتلى وبراميل النفط المصدرة وأفواج المفسدين والمفسدات في عراق ما بعد "التغيير"، لأن هذا علمها الصحيح عند الله ودولة القانون.
لنبقى عند الـ 3000 بريء الذين ذكرهم الشهرستاني وكان إلى جانبه وزير حقوق الإنسان الذي لم يحزن ولم يخجل وهو يسمع بشحمتي أذنيه هذا العدد المرعب والمخجل من العراقيين الذين حطمتهم السجون ظلما. ليس هذا حسب، بل انه يعترض على تقرير "هيومان رايتس ووتش" الذي قال إن القضاء بالعراق محطّم. أعتقد انه حتى المنظمة نفسها لم تكن تعلم بهذا العدد "المفخرة" الذي سيتضاعف حتما في الأيام القريبة القادمة، لأنها لو علمت لقالت إن القضاء عندنا مصخّم وملطّم وليس محطّماً فقط.
من المضحك أن يكون المتحدث باسم حقوق الإنسان وزيرا تابعا للحكومة ليصير هو الخصم والحكم. كانت أمام هذا الوزير فرصة تاريخية حين سمع بعدد الأبرياء في السجون أن يرفع يده ويستقيل على الفور من منصبه. فماذا ينتظر كي يفعل ذلك؟ في البلدان التي تحتكم للضمير والعدل يستقيل فيها الوزير لو ظُلم فيها إنسان واحد. والله لو كان هذا العدد من الأبرياء في سجون أي دولة تحترم الإنسان وحقوقه لانتحر الوزير فيها ولم يكتف بالاستقالة.
إن 3000 آلاف سجين تعني، في أقل ما تعنيه، أن هناك 3000 عائلة نكبت وفجعت. كم طفل وطفلة من أبنائهم مسهم الذل والضياع؟ وكم أم لهؤلاء حرمت من النوم؟ وكم أب لهم انحنى ظهره؟ وكم أخت علا رأسها الشيب وذبلت جفونها؟
أعرف جارة لنا هرب ابنها الشيوعي، وكان وحيدها، في أواخر السبعينات، وهي تعلم انه حي في بلد آخر لا سياط تلهب ظهره ولا جلاد يتلذذ بتعذيبه كل يوم. ومع هذا فقدت بصرها من شدة بكائها على فراقه. كنت أسمعها تئن كالمذبوحة: يمه سعد .. عيني العمه ولا شوف خالي مجانك. ما أتعسكم يا ملّة دولة القانون وكأنكم لا تعرفون حزن العراقيات حين يُغيّبُ أبناؤهن في السجون ظلما. لا أريد أن أذكركم يا دعاة التديّن بقول الرسول "اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب"، لأني بصراحة القول يائس من قلوب قدّها، حب السلطة، من حجر. لكني أتساءل: أليس لكم آباء وأمهات وزوجات وأخوات لتعرفوا معنى حرمانهم من عزيزهم، أم إنكم من عالم ليس عالمنا ودنيا ليست لها علاقة بدنيانا؟
ألا لعنة الله على الظالمين.
3000 مظلـوم!
[post-views]
نشر في: 4 فبراير, 2013: 08:00 م