لن يذهب المحتجون في المحافظات والمناطق السنية الى التفكير فيما بات يعرف بـ "الربيع العربي". كما لن يذهبوا الى الفوضى. فهذه نتيجة قاصمة لظهر الجميع، مدمرة للجميع، ومهلكة للجميع. ولكن "قرار" الامتناع عن قطع المسافة المخيفة الى ما سيكون عندنا "مسخ الربيع" أو الى الفوضى، لا يكفي لطمأنتنا حتى ننام ملء العيون، راضين عن وقوف المظاهرات والاحتجاجات عند حدود لا تتعداها، وصابرين على جمود أو بطء التحركات الحكومية في الاستجابة للمطالب، خصوصا ما يُعد مشروعا منها بنظر الجميع دون خلافات تذكر.
ذلك ان لهذا الجمود نتائج خطيرة، أهمها تنمية الاحتقان الطائفي، وزيادة التطرف بين الجانبين، وتعاظم الأضرار التي تلحق كل جوانب الحياة جراء استمرار الأزمة السياسية. وفي ظل هذا الجمود يمكن ببساطة توقع زيادة أعمال العنف، وتصاعد عمليات "القاعدة". فهذه "المخلوقة" البشعة، ونظائرها من الميليشيات والجماعات المسلحة، تعيش على الانقسامات السياسية، وتتغذى بأجواء الاحتقان الطائفي، ويشتد عودها كلما ساد التطرف، وتنتعش في ظروف العسر الاقتصادي، وتقوى كلما ضعف الأمن القومي أو الوطني.
وهناك وفرة صاخبة من هذه العوامل والأسباب. واذا تعذر على الحكومة، والعملية السياسية، تهدئتها وتبريدها والتقليل منها، فلن تكون هناك ضمانة لعدم انزلاق الوضع العراقي الى الفوضى. إن الضمانة في هذه الأحوال تقدمها قيادات مسؤولة ومسيطِرة على الجمهور. ولكن مثل هذه الضمانة، على فرض وجودها، قد تذوب مع أول هبة ساخنة من الجمهور. وهبَّات الجماهير لا تأتي عادة بفعل فاعل، ولا بتدبير عاقل، وانما تتضافر على اطلاقها صدف تصنعها تراكمات لاواعية من العواطف والأهواء العاصفة.
هل يشعر المالكي ورهطه بفداحة هذا الخطر وهول نتائجه اذا وقع لا سمح الله؟ أم ان سكرة السلطة قد أعمت القلوب؟
إن مفتاح التهدئة والحل بيد الحكومة، وهو ليس عسيرا ولا مستحيلا. ولعل اختزاله ممكن بكلمة واحدة هي "الاحترام". ويا لها من كلمة محورية فاصلة بين عقليتين، بل بين عالَمين وعصرين. ونحن نسمع، وبعض قادة الاحتجاج يقول، ان هناك رسائل تنفيذ جيدة لبعض المطالب تصل من الحكومة الى المحتجين، لكن تقابلها وتزيد عليها رسائل تصعيد عبر الاعلام، وعبر اجراءات كالتي اتخذت ضد وزراء "العراقية"، وعبر مظاهرات التأييد المفتعلة التي تحاول أن تضع جمهور الحكومة في مواجهة جمهور الاحتجاج.
ولذلك يمكن القول ان توقف الحكومة ومشتقاتها عن سياسة التصعيد هذه ضد الاحتجاج، والتعبير بدلا من ذلك عن احترامه، بكل السبل المعبرة تعبيرا حقيقيا عن الاحترام، خطوة مهمة على طريق الحل.
والترجمة العملية لهذا الاحترام تتمثل بتحقيق المطالب المشروعة، بإنهاء كل مظاهر الشذوذ العسكري والأمني والقضائي، بدءً بإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء وايقاف الاعتقالات العشوائية، مرورا بسحب القوات العسكرية من المدن ومنع عودتها اليها الا في ظروف الطوارىء التي يشرعها البرلمان، حسبما يقول الدستور، وصولا الى اعادة الاعتبار لمهمة تحقيق العدالة من خلال اعتماد أجهزة الشرطة والقضاء على نظام الأدلة والبراهين بدل نظام الاعتراف الذي يقوم على التعذيب.
إن أفضل ما في احتجاجات المناطق السنية هو انها تمثل أكبر وأشجع محاولة حدثت حتى اليوم في ظل "الديمقراطية الفتية" لتكريس شرعية التظاهر السلمي تعبيرا عن المطالب. وإن أسوأ ما تفعله الحكومة هو "الشك" أو الإزدراء بهذه الوسيلة أو غيرها من وسائل حرية التعبير. فهذا هو ما تفعله عادة أنظمة الاستبداد. وسيكتسب هذا الاستبداد مسحة طائفية اذا ارتكبته حكومتنا. وهذه هي الكارثة.
جميع التعليقات 1
محمد الكاتب
شكرا للكاتب لانه مؤمن بالديمقراطية التظاهر حق لنا نحن من اهل السنه المالكي لا يمثلنا هو يمثل من انتخبه و من حق اي شعب المطالبة بحق تقرير المصير و الوحدة التي تقام بالدم و القمع فاشلة و ما صدام عنا ببعيد لذا اقتضى التنويه ....و شكرا