من " استخارة " وزير الشباب الى دروشة علي العلاق، مرورا بقانون الحشمة الذي يصر عليه عدد من اشاوس السياسة، وانتهاء بصولة السيد المالكي على أصحاب الخبرة والكفاءة.. كنت أتصور أن الأمر لا يعدو أن يكون نكتة أو محاولة لكسر الملل والرتابة التي تحيط حياة العراقيين من كل الجوانب.. غير أنه بات من الواضح أن الحكومة مصرة على أن تشرع لنا قانون 4 كفاءات بعد أن حاصرتنا بقانون 4 إرهاب الشهير.
جميعنا يتذكر بيان المالكي الشهير الذي قرأه على مسامعنا في 20 كانون الأول عام 2010، والذي اقسم فيه بأغلظ الايمان بأنه سيعمل على ترسيخ عدد من المبادئ أهمها، التأكيد على محاربة الطائفية وإكمال مشروع المصالحة الوطنية واشاعة روح الاعتدال فكرا وسلوكا وثقافة، والحفاظ على الدستور والالتزام به فضلا عن العمل على احترام حقوق الانسان ونبذ العدوان والتمييز". وأضاف المالكي فقرات اخرى مثيرة سرعان ما ندم عليها، واعني بها قوله في البيان من انه سيعمل: "في مجال الاقتصاد على تحرير الاقتصاد العراقي من النظام المركزي والانتقال به الى اقتصاد السوق وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتثبيت العملة الوطنية ومعالجة البطالة." الا ان الذي حدث هو ما ان اصبح الصبح على الحكومة حتى وجدنا السيد المالكي وبعد شهرين وعشرة ايام بالتمام والكمال يعلن في 10/2/2011 ان "البلد سيخرب" لو ان الهيئات المستقلة غردت خارج سرب الحكومة لأن عمل هذه الهيئات تنفيذي، وبما انني المسؤول التنفيذي الأول فكيف يجب أن أبقى بعيداً عنها".
ولم يكتف السيد المالكي بذلك بل انه اكمل جميله بجملة شهيرة لايزال يتغنى بها معظم مقربيه من ان الحكومة ستفتح الباب امام الخبرات الوطنية والكفاءات المهنية.. الا ان الذي حصل ان الحكومة وبعد اول جلسة " استخارة " استعاذت بالرحمن من شيطان اصحاب الكفاءات، الذي سيكشف حتماً عجز وقلة حيلة سياسيينا، فقررت ان تسد هذا الباب وتسريح لتكون مؤسسات الدولة حصرا على اهل الثقة لا اهل الخبرة.. وهو نظام اثبت فعاليته في معظم البلدان التي ترفع شعار لاصوت يعلو فوق صوت القائد.
ولان الحكومة لم تكن تريد لنا ان نغادر عصر الدولة الشمولية.. قررت ان ترسخ في اذهان الناس ان بذل الجهد والإتقان والخبرة في العمل لا يكفي للفوز بوظيفة مرموقة، بل إن التملق والقرابة الحزبية والانتهازية هي التي تضمن المنصب والجاه ومزاياهما.
ولهذا وجدنا اليوم الحكومة ترفع عاليا الشعار الذي يدعو الى ربط المنصب والوظيفة بالثقة، وبالقرب من صاحب القرار وأزعم أن هذا القول يشكل اليوم اكبر اهانة لقيمة التعلم والخبرة في العمل، بحيث تتحول معه الوظيفة من غاية نبيلة لخدمة الوطن، وهدف للرقي والتطور إلى مجرد وسيلة للاسترزاق ونهب ثروات البلاد.
أزعم أن السيد " الثقة " هو النموذج السائد الآن في مؤسسات الدولة، بمعنى أنه تعبير حقيقي عن الحالة السياسية، ومن ثم سنجد ألف ألف من "الثقة" في مجالات عديدة وليس فقط في السياسة، ولن نحتاج مجهودا كبيرا حتى نجدهم في كل مكان، فقد طفحت شاشات الفضائيات طوال السنوات الماضية بعدد لا بأس به من نموذج "أهل الثقة" الذين يظهرون كلمنا احتدم الصراع على المناصب والمكاسب، لتجدنهم يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه الاقتراب من قلعة الحكومة الحصينة.
غير أن قائمة الأقوال المأثورة للسيد المالكي المتعاقبة لم تخل من نظريات أخرى عبثية منها مثلا ما صيغ على النحو التالي "لقد انتصرنا في المعركة ضد العلمانيين"، وهو شعار مرفوع منذ ثماني سنوات، ورغم ذلك لم يحصد العراقيون ثمار الانتصار هذا، فلا الاستقرار تحقق، ولا التنمية اخذت طريقها الى حياة العراقيين، ولا الاقتصاد ازدهر.. وكانت النتيجة اننا امام حكومة اهدرت سنوات من اعمارنا في خطب وشعارات براقة..فيما الفساد ينخر جسد الدولة، والفاسدين والمفسدين يزدادون ثراء، وتحولنا إلى وطن لا يحترم التعليم، فيما نسى حكامنا أننا عرفنا منذ فجر التاريخ بأننا بلد زراعي، أما الصناعة فكما ترون أصبحنا نستورد حتى المكانس اليدوية من تايوان.
جميع التعليقات 1
عمر علي
استاذ علي هل سمعت يوم امس باعلان السيد البطاط اين جزب الله عن مباشرة جيش المختار اعماله؟؟ هل رايت الشعار المرفوع في مظاهرة الخزاعي في الباب الشرقي عن مختار العصر ؟؟ هل تتابع تسلسل التصريحات منذ التصريح الاول بان الامريكتن لم يعودوا موجودين لحماية احد المك