هذه هي المرة الأولي التي أشعر فيها بالحزن بعد قراءتي لتقرير عن غزو الفضاء في مجلة ناشيونال جيوغرافك. والسبب أن التقرير تحدث عن تفاصيل قتلت حلم استكشاف الفضاء في داخلي، وجعلتني أسأل نفسي حزيناً؛ كيف يمكن لاجتماع ثلاثة أشياء مفرحة أن يتسبب بالحزن؟ أقصد القراءة، والتقرير عن الفضاء، ومجلة ناشيونال جيوغرافيك؟!!
على كل حال لقد حدث ما حدث وتهدم هذا الحلم الجميل. أما لماذا تهدم، فلأن التقرير استعرض أهم معوقات عملية غزو الفضاء، أو استكشافه. وأولها؛ عقبة الجدوى، فالمشروع مكلف بشكل هائل، ويحتاج إلى مبررات تقنع رجال الاقتصاد والسياسة بجدوى الصرف عليه، وحتى مع التفكير باستغلال معادن الكواكب فإن كلفة الاستغلال ستبقى مرتفعة بشكل كبير.. إذاً، يا للأسف، ليست هناك جدوى اقتصادية.
العقبة الثانية؛ هي عقبة السرعة، فالمسافات الفاصلة بيننا وبين أقرب النجوم، شاسعة جداً، ما يجعلنا بحاجة إلى مركبات بسرعات هائلة. لكن المشكلة أن اسرع مركبة أُطلقت لحد الآن هي مسبار "هيليوس2" التي اطلقت سنة 1976 باتجاه الشمس، فقد بلغت سرعتها 253 ألف كيلو متر في الساعة، وهذه سرعة هائلة، لكننا ومع استخدامها سنحتاج إلى 17 ألف سنة لقطع مسافة 40 ترليون كيلومتر التي تفصل بيننا وبين أقرب النجوم إلينا، وهو نجم "بروكسيما سنتوري"، وهذا زمن مرعب حقاً. على الأقل بالنسبة لرحلة غزوا أو استكشاف!! مع ذلك هناك أمل، يتمثل باستخدام محركات دفع تعمل بالاندماج النووي وتصل سرعتها إلى 20% من سرعة الضوء، الأمر الذي يجعل من مهمة الوصل إلى هذا النجم تستغرق عقودا من السنين فقط، لكن هناك تحديان؛ الأول هو قدرة أي مركبة على الصمود في العمل المستمر لعقود من السنين. مع احتمال تعرضها للعطل خلال رحلتي الذهاب أو الإياب، وهذا يعني الموت المحتم للطاقم. والتحدي الثاني يتمثل بصعوبة تامين ما يحتاجه ركاب هذه المركبة، من غذاء وماء ودواء، لقطع رحلة تتجاوز الاربعين أو الخمسين سنة مثلا.. إذاً يا للأسف مرة ثانية، فليست هناك إمكانية فنية.
مع ذلك يطرح التقرير ما يثير التفاؤل، وهو أن التفكير بالسفر عبر النجوم مُبالغٌ به، وعلينا أن نفكر باستغلال كواكب المجموعة الشمسية كخطوة أولى. لكنني حزنت أكثر عندما وصلت إلى هذا الحد من التقرير، فقد أحسست بأن الآمال تراجعت كثيراً، إلى درجة شعرت معها بأننا سنظل مسجونين داخل مجموعتنا الشمسية، وغاية ما سنطمح إليه هو استكشاف كواكبها الميتة.. إذن يا للأسف مرة ثالثة، فقد تبين بأننا مسجونين لهذه الدرجة.