ينبغي لنا ان نتوقف كثيرا عند البيانات الاخيرة للسيد مقتدى الصدر الزعيم الشاب الذي يواصل توجيه نصائح عميقة واستشارات مجانية لرجل كهل متسرع ومرتبك من طراز السيد نوري المالكي، لنحاول ايضا ان نتأمل لونا من القدر جعل اسرة الصدر تبارك وتشترك بقوة في تأسيس حزب الدعوة منتصف القرن الماضي ويكون عميدها محمد باقر الاب الروحي لكل رفاق المالكي، وان تكون الاسرة في نفس الوقت صاحبة اكثر الكلمات تأثيرا ونقدا في لحظة استبداد هذا الحزب بالسلطة ونزوات استبداده وتفرده وابتلاعه لملف المال والامن والسياسة الخارجية والقضاء.
لكن قبل هذا علينا ان نتوقف قليلا عند ما تكشفه السيدة ميسون الدملوجي في موازنتنا المالية، اذ يريد السلطان لنفسه ثلاثة مليارات دينار يوميا من أموال افقر الشعوب واتعسها حظا. نعم فالموازنة التي ارسلها للبرلمان تخصص ما يعادل مليونين وخمسمئة ألف دولار يوميا لنفقات جيب القائد العام ورئيس الوزراء. وليس هذا رئيس وزراء السويد بل العراق الذي يعيش ربع سكانه في الحواسم والعشوائيات وشاهدنا كيف كان اهلنا هؤلاء اكبر ضحايا لفشل الحكومة سواء عند اختلال الامن او عند غرق المدن بمطر الله.
ان مبررات كل هذا الانفاق الحكومي الهائل هو مكافحة الارهاب وتقليل للفقر، والنتيجة ان ميزانيتنا الدفاعية ٢٢ مليار دولار منها مليونين ونصف في اليوم كمصرف جيب للقائد العام.. وهي تعادل نصف الميزانية العامة لبلد كبير وجميل كالمغرب، بينما تنميتنا مثل سريلانكا وأمننا مثل قطاع غزة.
وليس امامنا سوى المراهنة على التنسيق العالي بين معتدلي الشيعة والاكراد والعراقية لكبح جماح هذا الاستهتار بمصائر الشعب ومآلات البلد، وفي هذا السياق اثبت لنا الصدر خلال اليومين الماضيين ان التيار المعترض على المالكي ينضج ويطور اداءه بنحو ملفت. فهو يستعرض امامنا حنكة تياره الشاب الذي يصر على معارضة المالكي من داخل المؤسسات الدستورية، رافضا الانسحاب من البرلمان والحكومة لكي لا يترك الجمل بما حمل ويسهل للمالكي استهداف تياره. وهو ايضا نسق الموقف مع العراقية وجعل وزيره علي شكري يدير وزارتها بالوكالة لتمشية المهام الحساسة لحقيبة المالية كي لا تتأثر الشؤون العاجلة في حياة الناس.
اما بيانه الاخير حول المالكي فقد اوضح ان قانون تحديد الولايات سيعلن تطويرا محليا للنسخة الخاصة من النظام التعددي في العراق، لمنع ظهور اي متسلط، معلقا بذلك على اقتناع المالكي البارد والدوغمائي في ظهوره التلفزيوني قبل يومين حين قال انه متأكد ان معالي مدحت المحمود سينقض قرار ممثلي الشعب.
ان المالكي يبدو واثقا بنفسه لانه لم ينجح كالعادة، في رصد التحولات العميقة في المشهد السياسي، كما لم يدرك بعد هذا التنضيج الهادئ لطبخة عزله وانضمام المرجعية العليا للاتجاه الذي يعتبر المالكي خطرا على الجميع لانه يعاني من اختلال عاطفي عميق ويحرك الدبابات بقرارات تنقصها ادنى مستويات الحكمة.
وفي الحقيقة فإن هناك فرصة امام السيد المحمود لان يدرك ما لم يدركه السلطان، ويستوعب بعضا من تلك التحولات، ويحاول ان يستوعب انه حين ينحاز للمالكي هذه المرة فسيكون "عدوا شخصيا" لكل قادة تحالف ١٩ ايار ولقاء اربيل والنجف، مضافا اليهم المجلس الاعلى وعبد المهدي والجلبي وجزء من مستقلي دولة القانون كما تؤكد الاطراف العليمة، وهؤلاء كانوا الطرف الذي صوت على تحديد عدد الولايات وبثوا الهستيريا في روح خالد العطية وياسين مجيد.
لقد كان قدر حزب الدعوة غريبا ودراماتيكيا مع آل الصدر. وهذه الاسرة هي الوحيدة (على مستوى العالم الاسلامي في حد علمي) التي تحتفظ بمكانة مرجعية منذ العصر العباسي حتى اليوم (جدهم الاعلى الشريف الرضي صاحب نهج البلاغة ولم تمر حقبة زمنية دون ان يكون منهم فقيه او اديب بارع او زعيم ونقيب للطالبيين). ولدى هذه العائلة من الثقة بالنفس ما أهلها كي تكون بمقام الابوة الروحية لكل الحركات الشيعية في ايران ولبنان والعراق وبشكل خاص حزب الدعوة. وهي تمتلك ثقة بالنفس اهلتها لمواجهة صدام حسين مرتين وخسارة الصدرين الاول والثاني، كما اهلتها للنهوض من نكستها بعد صولة الفرسان، والاخذ اليوم بزمام المبادرة في عملية استبدال السلطان وتخفيف الحشد الطائفي الذي يتمناه زعيم دولة القانون.
إن المستقبل سيتيح للكثيرين فهم الدور الحاسم الذي يلعبه شباب التيار الصدري اليوم، وسيجعلنا نفهم اكثر حتى اللحظات التي بدا الصدر فيها يتراجع عن مواقفه كي يحضر لمواجهات اعمق وأشد وقعا كما اتضح لاحقا، بشكل جعل سياسيا رفيعا في اربيل يصفه امامي بصاحب المبادرات الاكثر حنكة.
ان الاسرة التي أسست حزب الدعوة هي التي ستسهم في تعزيز التيار الذي سيقوم بإضعاف المالكي وتقييده وإجبار عقلاء حزبه على مراجعة عميقة لكل ما جرى حين يتخلصون قريبا من "القبضة المالكية" او يقفزون من مركبه قبل ان يتحطم.
ان سنة ٢٠١٣ ستظل تتفرج على السلطان وهو يكتب اشد قصائده حزنا، ويحاول ان يفهم كيف صعد هو وحزبه باسم أسرة الصدر، وكيف ذاقوا مرارة الهزيمة بسبب عدم احترامهم لقدر ان تظل في "الصدارة".
القدر الصدري لحزب الدعوة
[post-views]
نشر في: 5 فبراير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 7
المدقق
ان تمسحك بال الصدر هو دليل افلاسك الفكري فبالامس القريب وجهتم سهام انتقادكم للسيد مقتدى لانه انسحب من حملة سحب الثقة عن المالكي واليوم تمدحونه لانه انتقد المالكي فاي اناس انتم واية مصداقية بقيت لديكم . اما موضوع المبالغ المخصصة لرئاسة الوزراء فلقد اعماكم
الموج الهادر
الاستاذ سرمد تحية طيبه .. اعتقد ان المالكي يراهن على المتخلفين ثقافياً من المجتمع واقنعهم انه بتقسيم العراق سيعيش الشيعه في بحبوحه لانه سئم من السنه والاكراد .. ولاداعي لان يعطيهم من نفط البصرة الذي يعتقد انه ملك حزب الدعوه فقط ... وليتقاتل الاكراد والسنة
محمد
انتة مريض نفسي وانت عندما تتكلم عن المالكي فانك تتكلم عن شريحة كبيرة من المجتمع العراقي الذين انتخبوا المالكي ولكن انت مدفوع الثمن
رمزي الحيدر
أخي المحترم سرمد الطائي لا تكون ساذجاً من الذي يستطيع ينحي ويتجاوز سلطة المالكي الذي مخصصاته الرسمية السنوية تصل الى مليار دولار( زائد صفقات الفساد ) ويملك الشرطة والجيش.أرجو عدم تضليل قرائك في أحلام وردية.
الموج الهادر
استاذ سرمد .. تعليقات الاخوان تثبت رأيي الذي قلت لك فيه ان المالكي يراهن على المتخلفين ثقافياً .. انظر الى ارائهم يدافعون عن المالكي كما كان يدافع البعثيين عن صدام فتجد عبارات (( ابو عداي البطل .. بطل .. القائد ..) هذه اقوال البعثيين وجماعة المالكي الان
Iraqi
لا تظلم رئيس وزراء السويد بمقارنته بالمالكي كمثل ..راتب رئيس الوزراء السويدي حوالي 260 الف دولار سنويا... والصحافة السويدية اقامت الدنيا ولم تقعدها على رئيس الوزراء الحالي رانفيلد لاكتشافها تشغيل خادمة في بيته سابقا بشكل غير قانوني غير مدفوع الضرائب ..سلط
حيدر الساري
سلامي لك استاذ سرمد كلامك زينة العقل نتمنى ان تكون نهاية السلطان قريبة وليس جديدا اوغريبا هذة المواقف الشريفة لال الصدر واتمنى من خالص قلبي ان يكون هناك تحالف قوي يتمثل بقادة 19ايار اربيل النجف