منذ بداياتها في أواخر القرن التاسع عشر، أخذت السينما على عاتقها التعريف بحضارات وعادات وثقافات الشعوب في مختلف بقاع الأرض، ربما بقصدية أحيانا وبدونها أحيانا أخرى، واستطاعت من خلال ذلك تعريف المشاهد بالعديد من الحضارات لشعوب وبلدان ربما لم نزرها يوما،
منذ بداياتها في أواخر القرن التاسع عشر، أخذت السينما على عاتقها التعريف بحضارات وعادات وثقافات الشعوب في مختلف بقاع الأرض، ربما بقصدية أحيانا وبدونها أحيانا أخرى، واستطاعت من خلال ذلك تعريف المشاهد بالعديد من الحضارات لشعوب وبلدان ربما لم نزرها يوما، لكن السينما ومن خلال نصها المرئي استطاعت أن تغوص في أعماق هذه الحضارات كاشفة عن أماكن وعادات وثقافات ربما اُستحسن البعض منها دون الآخر، وربما كان بعضها سببا في إثارة دهشتنا ، واعتقد أن مكونا مهما مثل المكون السرياني ذلك الشعب الضاربة والراسخة جذوره في عمق الأرض العراقية منذ الآلاف السنين، أحوج ما يكون إلى هذه الوسيلة التعريـفية "السينما" للتعريف بقضاياه على مختلف الأصعدة الثقافية والاقتصادية والسياسية، كذلك التعريف بالمكان وعمق الالتصاق به رغم عديد المشاكل التي تعرضوا وربما مازالوا يتعرضون لها إلى الآن.
ولا أرى أن الاعتقاد بأن الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن معبد أو كنيسة أو مكان تواجد او طرق العيش هي الأفلام الوحيدة دون غيرها القادرة على التعريف بشعب أو مكون او مكان ما، رغم أهمية السينما الوثائقية كونها الأقرب إلى تناول الواقع ومن ثم إظهاره بالشكل الذي يستطيع التأثير في المتلقي وصولا إلى تحقيق التعاطف مع القضية التي يطرحها. فالأفلام الروائية ربما تلعب دورا اكبر من الأفلام الوثائقية في مهمة الإيصال والاتصال، كونها تتناول الواقع من خلال حكاية درامية، تاريخية أو عاطفية ، قد تكون اقرب إلى المشاهد العادي الذي يستسيغ الحكاية الدرامية أكثر من الوصف الذي يتوافر عليه الفيلم الوثائقي، ممررة من خلالها ما تريد قوله وإيصاله وإن كان بشكل غير مباشر، فمثلا أن كل الشعوب التي تتحدث اللغة العربية تعرف وتفهم اللهجة المصرية، ولكنها لا تفهم بمثل هذه السعة اللهجة الجزائرية أو المغربية، وهذا متأتٍ من كثافة الضخ السينمائي المصري لأفلام متعددة الرؤى والأفكار.
لذلك فإن السينما بنوعيها الوثائقي والروائي ، استخدمت كوسيلة من وسائل التعريف والدعاية، وما شهدته الحربين العالميتين الأولى والثانية وكذلك الحرب الباردة، خير دليل على ذلك الاستخدام ، وما زالت الماكنة السينمائية الأمريكية تضخ وتسوق العديد من الأفكار التي تريد إيصالها للعالم .
ومكون عراقي مهم مثل المكون السرياني بحاجة إلى نتاج سينمائي حقيقي، ربما يخالف قاعدة الإنتاج السينمائي التي تعتبر أن السينما هي صناعة وفن، خاضعة للربح والخسارة من خلال حسابات السوق ودلالة شباك التذاكر، كون الهدف من النتاج السينمائي في هذه المرحلة هو التأكيد على التعريف بعمق الثقافية السريانية، وعمق تمسك السريان بأرضهم ووطنهم، وكذلك إرسال رسالتهم الدينية والثقافية إلى كل العالم وكذلك التعريف بالعقبات والمشاكل التي يعانون منها، وبالتالي يجب أن يكون النتاج السينمائي بعيدا عن مفهوم الربح والخسارة ، بل إن الربح الحقيقي يتحقق من خلال الهدف الأكبر والذي كما اشرنا هو التعريف بالشعب السرياني.
ورغم أن هناك العديد من الأفلام السينمائية السريانية مثل "المسبحة" لليث بنيامين،"لمن يقرع هذا الجرس" لسرمد علاء، "الشهداء لا يتأخرون" لرغيد نونايا ، "ومتحف التراث السرياني مرآتنا القومية والثقافية" إلا أن عدم مشاركة هذه الأفلام في مهرجانات عربية وعالمية ربما افقدها الغاية التي أنتجت من اجلها، فباعتقادي أن هذه الأفلام أنتجت ليشاهدها الآخرون أولا، كون الغاية منها هي التعريف، فقبل أيام اختتم في بغداد مهرجان السينما الدولي، دون مشاركة سريانية ولو بهذه الأفلام على الأقل، وما يمكن أن تشكله هذه المشاركة من اثر كبير في المتلقي ومن ثم الحصول على النتائج التي أنتجت من اجلها هذه الأفلام .
الجزيرة الوثائقية عرضت قبل فترة فيلما وثائقيا بعنوان "التجمعات الدينية" عن السريان، واعتقد أن الفيلم استطاع أن يبرز بوضوح طرق عيش وثقافة وعادات السريان، مستعرضا أماكن عبادتهم وتواجدهم ليس في العراق فحسب بل في أماكن تواجدهم في بلدان أخرى .
ورغم التدهور الكبير الذي تشهده السينما العراقية سواء على مستوى الإنتاج أو البنى التحتية، وغياب دور العرض بشكل كامل باستثناء خمسة منها في مركز بغداد تعمل بنظام خمسة أفلام ببطاقة واحدة، وانعكاس ذلك ربما حتى على النتاج السينمائي هنا، لكن أرى أن على القائمين على السينما السريانية أو المهتمين بالشأن السينمائي، والعاملين في المديرة العامة للثقافة والفنون السريانية أن ينهضوا بواقع السينما، واعتقد أن تجربة السينما الكردية الناجحة والتي أثبتت حضورا فاعلا سواء على المستوى المحلي أو العالمي ربما تكون محفزا للعمل على نتاج سينمائي سرياني مهم، لاسيما مع وجود العديد من الشخصيات الفنية المهمة، التي تستطيع المساعدة في ذلك، سواء الموجودين هنا أم في أماكن أخرى.